وكانوا إذا عز بهم الماء في سفر تقاسموا ما معهم من الماء بالغمر، ليكفيهم. ويروى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال في بعض أسفاره:"أطلقوا لي غمري" وإنما سمي هذا غمرا؛ لأن القليل من الماء يغمره. وبنى على فعل للمبالغة. والعامة لا تعرف هذه الكلمة، ولا تستعمله صواب ولا لحنا.
وأما قوله: والغمرات: الشدائد؛ فإن الغمرات جمع غمرة، بسكون الميم، وهي مما يغمر ويغطى، وهي مبنية على فعلة، بسكون، المرة الواحدة، كغمرة الموت وغمرة النوم وغمرة السكر، وغمرة الدنيا. ومنه قول الله تعالى:(فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ) ومن أمثال العرب: "غمرات ثم ينجلين" والحروب والفتن والخصومات وما أشبه ذلك تسمى: الغمرات. والعامة تستعمل هذه الكلمة على هذا بعينه بغير لحن ولا خطأ.
وأما قوله: رجل مغامر، إذا كان يلقي نفسه في المهالك، فإنما معناه أنه يداخل الغمرات من الحروب والفتن والشدائد؛ لجرأته ولا يحيد عنها. ومن هذا قيل: دخل في غمار الناس، أي في زحمتهم/ وجماعتهم. وكان يجب أن يسمى هذا الباب: باب مما لا تلحن فيه العامة؛ إذ كانت مصيبة في جميعه.