ابن الحسين السكري عنهم، وعن أبي حاتم، وأخبرنا الكسروي علي بن مهدي عن أبي حاتم عن أبي زيد أنه قال: طفت في عليا قيس وتميم مدة طويلة، أسأل عن هذا الباب، صغيرهم وكبيرهم؛ لأعرف ما كان منه بالضم أولى، وما كان منه بالكسر أولى، فلم أعرف لذلك قياساً، وإنما يتكلم به كل امرئ منهم على ما يستحسن ويستخف، لا على غير ذلك.
ونظن المختار للكسر ههنا وجد الكسر أكثر استعمالاً عند بعضهم، فجعله أفصح من الذي قل استعماله عندهم. وليست الفصاحة في كثرة الاستعمال ولا قلته، وإنما هاتان لغتان مستويتان في القياس والعلة، وإن كان ما كثر استعماله أعرف وآنس؛ لطول العادة له. وقد يلزمون أحد الوجهين للفرق بين المعاني في بعض ما يجوز فيه الوجهان، كقولهم: ينفُر، بالضم من النفار والاشمئزاز، وهو ينفِر، بالكسر، من نَفْر الحجاج من عرفات، فهذا الضرب من القياس يبطل اختيار مؤلف الفصيح الكسر في ينفر على كل حال، ومعرفة مثل هذا أنفع من حفظ الألفاظ المجردة، وتقليد اللغة من لم يكن فقيهاً فيها.
وقد تلهج العرب الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس، البعيدة من الصواب، حتى لا يتكلموا بغيرها، ويدعو المنقاس المطرد المختار، ثم لا يجب لذلك أن يقال: هذا أفصح من المتروك. ومن ذلك قول عامة العرب: أيْشٍ/ صنعت؟ يريدون: أي شيء صنعت؟. وقولهم: لا بَشَانِيك، يعنون: لا أبالشانيك. وقولهم، لا تُبَل، أي لا تبال يا هذا .. ومثل تركهم استعمال الماضي واسم الفاعل من يذر ويدع، واقتصارهم على ترك وتارك، وليس هذا لأن ترك أفصح من ودع ووذر، وإنما الفصيح ما أفصح عن المعنى، واستقام لفظه على القياس، لا ما كثر استعماله. وليس قول النبي صلى الله عليه:"ارجعن مأزورات غير مأجورات" دليلاً على أن الألف في مأزورات أفصح من الواو؛ لأنه الأصل من الوِزر، ولكنه دليل على أنه اختار الألف للتسوية بين مأزورات وبين ما بعده وهو مأجورات،