مقطعها في أقصى الحلق، والحروف كلها مقطعها هناك، لأن الصوت كله إنما يخرج من الحلق، ثم يحصره المعتمِد فيصيّره حرفاً. والذي يُذْهَب إليه في قولهم: أبَى يأبَى، أنهم [إنما] غلطوا فيه على التشبيه بما هو في معناه، مما ينفتح لحرف الحلق، وهو قولهم: منَع يمنع، لأن الآبي ممتنع، فنظيره قولهم: يذر، بفتح الذال، لأنه في معنى يدع، وإن لم يكن فيه حرف من الحلق، وهو شاذ.
ومن الأفعال ما لا يستعمل منه إلا الماضي وميزه، للاستغناء عن استعمال مستقبله بغيره، أو لعلة غير ذلك، فمن ذلك قولهم: عَسَيْتُ أن أفعل، وهو على مثال رميت، ولو استعمل مستقبله، لكان مكسور السين مثل يرمي، ولكنه فعل وضع للعبارة عن الترجي والإشفاق، كما يعبر بالحروف عن التمني والطمع نحو ليت ولعل، فلم يستعمل مستقبله، ولا مصدره، ولا اسم فاعله، ولا شيء مما يتصرف فيه من سائر الأفعال؛ لأنه وضع موضع الإخبار عن حال صاحبه التي هو مقيم عليها، وإن كان على لفظ الماضي، كما فعل ذلك بليس، وأجري مجرى حروف المعاني الجامدة، لأن "ليس" أيضاً هذه قصتها؛ أنها للحال الثابتة، ولفظها لفظ الماضي.
فأما اختيار مؤلف كتاب الفصيح/ الكسر في ينفِر ويشتِم، فلا علة [له] ولا قياس، بل هو نقض لمذهب العرب والنحويين في هذا الباب. فقد أخبرنا محمد بن يزيد عن عن المازني والزيادي والرياشي عن أبي زيد الأنصاري وأخبرنا به أيضاً أبو سعيد الحسن