للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّهُ الصَّمَدُ} (١) [الإخلاص: ١ - ٢] لَمْ يَقُلْ: هُوَ الصَّمَدُ. (٢)


(١) لتمكين المسندِ إليه في ذِهْن السَّامِعِ. انظر: التّلخيص ص ٣٦.
(٢) وَقَدْ يُوْضَعُ المسندُ إليه الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ:
فإنْ كانَ المظهَرُ الَّذي وُضِعَ موضِعَ المضمَرِ: اسمَ إشارةٍ، فذاكَ:
لِكمال العِنايةِ بتمييز المسند إليه؛ لاختصاصِه بحُكمٍ بديع؛ كقول ابن الرَّاوَنْدِيّ: [البسيط]
كَمْ عَاقِلٍ عَاقِلٍ أَعْيَتْ مَذَاهِبُهُ ... وَجَاهِلٍ جَاهِلٍ تَلْقَاهُ مَرْزُوْقَا
هَذَا الَّذِيْ تَرَكَ الْأَوْهَامَ حَائِرَةً ... وَصَيَّرَ الْعَالِمَ النِّحْرِيْرَ زِنْدِيْقَا

فقوله: «هذا» إشارةٌ إلى حُكْمٍ سابقٍ غيرِ محسوسٍ، وهو: (حرمانُ العاقلِ وارتزاقُ الجاهل)، وكان مقتضى الظّاهر الإضمارَ؛ لتقدُّم ذِكْرِه، فيقول: «هما أو هو» مثلاً، ولكنْ عَدَل إلى اسم الإشارة؛ ليُري السَّامعَ أنّ هذا الشّيءَ المتميّزَ المتعيِّنَ هو الّذي له الحكمُ العجيبُ، وهو: (جعلُ الأوهامِ حائرةً والعالِم النِّحريرِ زنديقاً).
أو للتَّهَكُّمِ بالسَّامعِ:
كما إذا كانَ فاقِداً للبَصَرِ: وسألَ: «مَن رماني بالحَجَر؟ »، فقيلَ له: «هذا الّذي رماك بالحَجَر» وكان مقتضى الظَّاهر أن يُقال: «هو الّذي ... » لتقدُّم مرجعِ الضّمير في سؤال الكفيف؛ لكنْ عُدِلَ إلى اسم الإشارة لقصْدِ السُّخرية بالمخاطَب؛ إذ نزَّلَه منزلةَ البصيرِ استهزاءً به.
أو لم يكنْ ثَمَّ مُشارٌ إليه أصلاً: كما لو سأل البصيرُ السؤالَ ذاتَه، فأُجيبَ الجوابَ ذاتَه، مع عدم وجود مشارٍ إليه أصلاً.
أو للتَّنبيه:
أ- على كمال بلادته؛ بأنّه لا يُدرِكُ إلّا المُعايَنَ المحسوسَ بالبصر؛ كأنْ يسألَك: مَن شاعرُ الفلاسفة؟ فتجيبه: (ذلك أبو العلاء المعرّيّ)؛ ومقتضى الظَّاهر أن تقول: (هو أبو العلاء .. )؛ لتقدُّم مرجِعِ الضَّمير، لكنّك خالفتَ الظَّاهرَ؛ تنبيهاً على أنّ مخاطبَك بليدٌ تماماً، لا يفهمُ إلّا بالإشارة الحِسّيّة.
ب- على كمال فطانته بأنّ غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوسِ عند غيره؛ كأنْ يدورَ النَّقاشُ حولَ مسألةٍ فلسفيّةٍ عميقةٍ، فيقول الأبُ لابنِه: (هذه مسألةٌ واضحةٌ)؛ لأنَّه توسَّمَ النُّبوغَ والفَهْمَ في ابنِه، فكأنَّ هذه المسألةَ التَّجريديّةَ صارت عندَه مفهومةً كما يُفهَمُ المحسوسُ عندَ غيرِه.
أو لادِّعاءِ كمالِ ظهورِه؛ حتّى كأنّه محسوسٌ بالبَصَر: كأنْ يجري النّقاشُ في مجلس حولَ مفهومٍ تجريديّ، فيقولُ أحدُهم: «هذا أوضحُ من الشَّمس». مكانَ «هو ... ».
وإنْ كانَ المظهَرُ الَّذي وُضِعَ موضِعَ المضمَرِ: غيرَ اسمِ الإشارةِ، فذاكَ: =

<<  <   >  >>