العمريّ في كُتب الفنّ، وحُسْنِ فهمِه لكلام العلماء، لم تأتِ لِتسُدَّ ثغرةً في علوم البلاغة؛ وإنَّما لِتُصَحِّحَ أوهامَ الحمويّ، الذي بقي شرحُه للأرجوزةِ مُعتمَداً حتَّى اشتهار كتاب الدُّرَر.
ووراءَ هذا الشَّرح ليسَ للعمريِّ من المناقشات والرُّدودِ سوى بعضِ المواضعِ التي خالَفَ فيها مصادرَه؛ ومنها قولِه:«والإبهامُ: قالَ ابنُ حِجَّة بباءٍ معجمةٍ بواحدة ... هذا ما مشى عليه الشَّارحُ، والأولى أنْ يُضْبَطَ لفظُ النَّاظمِ بالياءِ المُثنَّاةِ من تحت؛ لأنَّ الإبهامَ بالباءِ جعلَه القزوينيُّ وغيرُه داخلاً في التوجيه».
ومنها دَفْعُه الضِّمنيُّ لكلام القزوينيِّ حيثُ أوردَ في باب الفصاحة عبارتَه:«مُخالَفة القياس»، ثُمَّ أتبعَها بكلامٍ للتَّفتازانيّ فيه مخالَفةٌ لهذه العِبارة؛ بقولِه:«بل المُخالَفة ما لا يكونُ على وَفْقِ ما ثَبَتَ عن الواضع».
وأمَّا المناقَشاتُ والاختياراتُ الّتي ظهرَتْ في أثناءِ عَرْضِ مسائل الخلاف فليس للعمريِّ فيها إلّا النَّقْل، لأنَّ هذه المسائلَ وما فيها من مذاهب، وما قد يترجَّحُ به مذهبٌ على مذهب مُمهَّدةٌ قبلَه، وقد أشرتُ في قسم التَّحقيق إلى جُلِّ مصادرِه فيها.
لكن هذا لا ينفي أنْ تكونَ له بعضُ التَّحقيقاتِ والاختياراتِ الّتي تدلُّ على رغبتِه في إظهارِ شخصيَّتِه البلاغيّة، يظهرُ ذلك في نحو:«وقولي .. »، و «أقولُ»، و «فرأيتُه قد قصَّرَ»، و «وسمَّيتُه»، و «قلتُ»، و «هجسَ في الضّميرِ ... أن أكتُبَ».
وأخيراً فإنَّ مَيْلَ الشَّارحِ العمريِّ إلى المناقشةِ تراءَتْ معالِمُه كذلك في اللُّجوء إلى أسلوب الحوار والجدَل أو ما يُدعى بالفَنْقَلَة؛ بقَصدِ إزالةِ الشَّكِّ، وما قد يتبادرُ إلى الذِّهن من إبطالٍ لِما يقولُه، فانتشرت في الشَّرح عباراتٌ؛ من نحو:«وأقولُ»، و «قال الشَّارحُ ... قلتُ»، و «فإنْ قلتَ ...