للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحرمة مكملة. ووعد جميل يرغب في العود، وجود جزيل منسكب الجود. وذلك سوى ما غنموه من كسب وكسبوه من غنم، واستطلقوه من رسم، واستجزلوه من قسم. وملكوه من ورق سبى، وأدركوه من حق سعى. وأجدوه من غرض، وأدوه من مفترض. واحيوه من حسنة النصر، وامتنوه من سيئة الكفر. واستفافوه من فتح، واستفاضوا به من نجح.

وسار السلطان في عسكره حامدا لله في مورده ومصدره. وارتاح إلى العبور على ارتاح، وامتار لها اليمن بافتقادها وامتاح. ووصل إلى (حلب) وحلب احتفالها بوصوله حافل. والملك بها للاهتزاز بقدومه في ملابس البهاء رافل. ودخلناها وقد خرج كل من بها للتلقي، مستبشرين بالإقبال المتضاعف المترقي. وشاهدنا من النظارة عيونا للمحاسن ناظرة، ووجوها ناضرة، وقلوبا حاضرة، وألسنا شاكرة، وأيديا في بسطها إلى الله للابتهال بالدعاء متظاهرة.

واقتضت حركتنا إلى الشهباء، لساكنيها سكون الدهماء. وأقام بقلعتها أياما يسيرة، وألفى ولده الملك الظاهر أسر إحسانا وأحسن سيرة. وقام به وبالعسكر مدة المقام، واتسقت الأمور بأوامره على النظام، ولم يرحل إلا وقد خص عوامنا وخواصنا بالأنعام الخاص والعام. وأبان عن كل منقبة، وأعان بكل موهبة فما رآه والده مذ حل بحلب إلا في أجمل حلبة وأكمل حالة، وأجلى بهجة وأبهى جلالة. وقد أجد لعينه ولنفسه قرة وقرارا، وأعد لعزمه واحزمه استنصارا واستبصارا.

ثم انفصلنا عن حلب منقطعين إلى مواصلته بالدعاء، قاطعين طرقنا المتصلة بدليلي الشكر والثناء. وتنكبنا طريق المعرة، بسلوك طريق المعرة وأوفيناها بالمبرة الموفية المبرة. وتيمن السلطان بزيارة الشيخ الفقيه الزاهد التقي (أبي زكريا المغربي) - وهو مقيم في مسجده، عند قبر عمر بن عبد العزيز. ومشهده.

وقصده السلطان علي الفراسخ، ولقي منه في الحلم والوقار الطود الراسخ. واهتدى بسجاياه، واقتدى بوصاياه.

ووصلنا إلى حماه وبتنا بها ليلة واحدة، ولم نر رعيتها لما شملها من الرعاية جاحدة. فإن (الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب) قد كشف عنها بايالته الكروب، وملك القبول من أهلها والقلوب. وأعاد لها بالعمارة عمرا جديدا، ومد عليها من مهابته ومحبته ظلا مديدا. وكانت قلعة حماه لا تعد في القلاع المعدودة المحمية، ولا تذكر مع المعاقل المرعية المرضية. وهي ذات تل متبطح، غير مترفع ولا متسفح. فلما تولاها تقي الدين قطع من التل ما كان متواطيا، واتلع من التلعة جيدا عاطيا. وعمق خندقها في الصخر، وحصنها على الدهر. وبنى فيها الدور المرخمة، والأروقة المهندسة المهندمة. وحصنها واعلاها، وحسنها وحلاها. وزينها بكل زينة، وأعاد حماة ذات قلعة حصينة، فاضلة

<<  <   >  >>