للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخ الشيوخ، ويعرف في العلم والعمل بالرسوخ. فكتب بها له، ورتب بوقفها وتدريسها استقلاله، وذلك في أواخر سنة ثمان وثمانين. ثم صرف بعد السلطان عن المدرسة، وبدلت الوحشة من الأنسة.

[فصل كتب إلى بعض الأكابر في الدخول إلى القدس]

اتفق دخول الشتاء، وتواتر الانداء، وتوافر الأنواء، وشح الأرض وسح السماء. وانقطاع الجلب واتصال الغلاء، وبعد الراحة لقرب الأعداء، وملل العساكر لدوام الهيجاء، والمقارعة واللقاء. وكانت مدينة القدس محتاجة إلى توفر الهمم على شحنها بالرجال، والميرة والقوة، والعدة والذخيرة. ورأيناها من أحسن المدن وأحصنها وأحكمها وأوجدنا بها جدتها بعد عدمها. ورتبنا بناء سورها على جوانب أودية وسفوح، متى تم لم يبق فيها لطمع من طموح. وهذا أمر لله وفي طاعته، ولحفظ بيته ولنصرة دينه ولإعلاء كلمته، ولحماية أمته. وما لنا فيه إلا السمرة، وما جاءونا إلا الأجر والمغفرة. وما نصيب إلا نصيب واحد من المسلمين المجدين، والمؤمنين المعدين للدين. فما أسعد من ساعد فيه، ووفى بإسعاف عافيه.

هذا والكفر قد أناخ بكلكله، وحفل بجحفله. وبرز إلى الإسلام بكليته، وعراه ببليته، وقامت قيامته لقيامته، وثار لثار قمامته. ورمى مهجته على الموت لمقبرته، والبيت المقدس الذي شرفه الله وكرمه وعصمه كما عصم وحرم حرمه مقام الأنبياء المرسلين، ومقر الأولياء والصديقين، وموضع معراج سيد المرسلين، ورسول رب العالمين. وفيه نزل جبريل بالبراق وصعد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلى السبع الطباق، وأهدى الله ليلة الإسراء بحلول السراج المنير فيه الإشراق إلى الإنفاق.

وهؤلاء الملاعين قد أغذوا لقصده، وأعدوا لورود ورده. وقد فرض في هذا الأوان رفض التواني، واستدعاء ذوي الحمية من الأقاصي والأداني. وإن لم يتساعدوا في الربيع القابل، على إنهاض الجحافل؛ صعب الأمر واشتد، واحتدم الخطب واحتد.

[فصل في شكر صاحب الموصل على إنفاذ الجصاصين لحفر الخندق]

قد أصبح البيت المقدس يقدس ويسبح، ويعرب عن فضيلة منجده ويفصح. فقد وصل الرجال الواصلون بالنجح رجاءه، الحامون بحفر خندقه أرجاءه. وما فيهم إلا من أبان عن جده، وأبان بحده، والآن الشديد بشده، وثلم الحديد بثلم الصخر وهده. وهذه لا شك مقدمه لما وراءها من نتائج النجدات، وجدوى سابقة للواحق في مناهج الجدات، وعرفة معرفة في قمع العداة بإجراء العادات في إنجاز العدات. وللعدو انتظار لنجدات بحرية وارتقاب، وومضات جمر تحت رماد كيده يوشك أن يكون لها التهاب. والهمة السامية لا تفتقر في هذا الباعث إلى باعث، وعند عزائمه حديث كل حادث.

<<  <   >  >>