للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحقرات بضائع. فعدم ولم يتسمع له خبر، ولم يظهر له أثر. فظنت به الظنون، وما تيقنت المنون.

وكانت له ولا شك عند الله منزلة، فلم يرد أن تبقى حاله وهي مجملة محتملة. فوجد في مينا عكاء ميتا قد رماه البحر إلى ساحلها، وأذهب حق اليقين من الظنون بباطلها. وبرأه الله مما قالوا. وأحال الذي عليه أحالوا. فقد وجدت على وسطه تلك الأكياس، وتعجب من حاله الناس. فلم يذهب بذهابه الذهب الذي صحبه، وطهره الله من الرجس وعنه أذهبه.

[ذكر وصول ولد ملك الألمان الذي قام مقام أبيه إلى الفرنج بعكاء]

ذكرنا حديث الألماني وملم حادثه، وما أداه إليه من دواعي كفره وبواعثه، وكان مسيره من إنطاكية يوم الأربعاء خامس عشري رجب، ولقي في طريقه على اللاذقية الشجى والشجن والشجب. وأذن ضعف خيلهم، بضعف ويلهم. ووجدت لهم ما بين اللاذقية وجبلة ستون سبعون فرسا قد عطبت، وعلى أعواد عظامها سود الغرابيب خطبت.

وقد استقبله المركيس، وقصده التأنيس. وأن يهديه بضلاله إلى الطريق التي تؤمن طوارقها، ويتسع عليه فيها مجال الأمن وإن سلكت مضايقها. فوصل به إلى طرابلس في الشعر الأول من شعبان، ووصل خبر وصولهم في سادسه إلى السلطان. وحزرهم من شاهدهم في الطريق بخمسة عشر الفا، وسمعنا في حزرهم بالقليل والكثير خلفا.

ثم انتقل في البحر، إلى عكاء في موضع الحصر. ووصل آخر النهار سادس شهر

رمضان، بعد أن عاين في البحر من اختلاف الهواء الهوان. فلم يبق له وقع، ولم يحصل لخرق القوم به رقع. وأقام بين جنودهم، كأحد كنودهم. وقال الفرنج: ليته لم يصل إلينا، ولم يقدم علينا. فإنه لو أقام في موضعه، وامجنا بفيضه من منبعه، لهيبت عظمته، وعظمت هيبته. وأرعب روعه، وراع رعبه، ورجى منا وخشي من المسلمين قربه. وقد قطع بنا منذ وصل، وحص لنا جناح نحاج حصل.

ووصل في البحر وحده، ولم يستصحب جنده. ثم وصل إليه الأصحاب، (وتقطعت بهم الأسباب). ثم رام أن يظهر لمجيئه وقعا، ويبدى له نفعا، ويثير بنقع غلة ناره نقعا. فقال: إلام القعود عن القوم، وما بقي إلا النهوض إليهم من اليوم، وإني على الخروج إليهم لأدفعهم. فقالوا له: أنت ما أرثت وهج قتالهم، ولا أثرت نهج نصالهم، ولا حربت بحربهم، ولا كربت بكربهم، ولو حزبت بحزبهم، لأصحب جماحك صحبهم. فأبى ونبا، وشب الشبا.

فلما عرفوا جهله، وإن صعب الأمر عنده ساوى سهله، قالوا له: نبتدئ بالخروج إلى اليزك، فلعلنا نوقعهم عند الإحاطة بهم في الشرك. فدبوا في راجل كرجل الدبى، وخيل أغصت الوهاد والربا. ومرجوا في المرج، وطووا تلك المدارج على

<<  <   >  >>