للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر ما اعتمده السلطان في استرجاع ما نهب من الثقل واستدراك ما حزب من الخلل]

تقدم الأمر إلى المقدمين والأمراء، بعد النداء وأعلام الجهلاء. بإحصاء كل ما نهب، وإحضار كل ما سلب. وأنه من لم يرد ما أخذه أخذ بالردى، واعتدى عليه بمثل ما اعتدى، فأحضر كل ما عنده، وبذل في الكشف جهده، وجمعوا ما تفرق منه في الخيام في خيمة السلطان، وضاقت عن كثرته سعة ذلك المكان.

وجلس السلطان يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان، فكل من عرف من ماله شيئا أخذه بعد إحلافه، وحلا في مذاق الشكر قطاف الطافه. وسعى في معانا ذوى الأخلاق الصعبة على سهولة أخلاقه، وشفى العلل والغلل بالنهل والعلل من إشفاقه. وقمش ذلك القماش، وحصل من ذلك الوبل الرشاش، وصح بعد العرى والعثار الارتياش والانتعاش.

وكتب إلى الولاة بالأمصار والنواحي، والأقطار والضواحي؛ بحث البحث وجد الكشف، واستخلاص كل ما يوجد ويؤخذ بالرفق والعنف. وتراجع الناس، وتتابع الإيناس. وعادت مضارب الغرائم إلى مضائها، وقضاة القواضب إلى اقتضابها واقتضائها. وغار الآنف وأنف الغيران، وتسلط الهزم وعزم السلطان. وثار الحنق وحنق الثائر، وطار العلق وعلق الطائر. وطلبت الطلى نكاح بنات الخلل الذكور، وأشرأب للشرب نبات الأسل إلى ماء النحور. وحمى ذوو الحمية للتقاضي، وقالوا حتى متى التراضي بالتغاضي.

[ذكر مجلس عقد ورأي عليه اعتمد وصواب افتقد وقد فقد]

وحضر أكابر الأمراء عند السلطان يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان. فقال: اعلموا أن هذا عدو الله وعدونا قد أجلب بخيله ورجله، وأناخ بكلكل كله، وقد برز بالكفر كله الإسلام كله. وجمع حشده وحشد جمعه، واستنفد وسعه. وأن لم نعالج الآن فريقه، والبحر قد منع طريقه، أعضل داؤه، وتعذر غدا لقاؤه، فإنه إذا سكن البحر، واستسهل ركوبه السفر، تضاعفت أعداد الأعداء، فظهر الإعدام من الأعداء، وخرج الداء عن قبول الدواء.

ونحن ما وراءنا نجدة ننتظرها، ولا قوة نستحضرها. وما بلى بهذا المعشر إلا معشرنا، وما بازاء عسكر الكفر إلا عسكرنا، وما في المسلمين من ينجدنا، وما في بلاد الإسلام من يسعدنا. وعساكرنا حاضرة، وعزائمنا للتواني حاظرة، وعيون اسنتنا إلى الفتك بالعدا ناظرة، وما يعوزنا إلا حضور أخينا الملك العادل سيف الدين. ولا بقاء للنقاد إذا أصحر منه ليث العرين. فالرأي كل الرأي في المناجزة، قبل وقوفهم على محاج المحاجزة.

<<  <   >  >>