للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا اليوم وهو يوم الاثنين قدمت عساكر الشمال، يقدمهم ذو القبول والإقبال وهو الملك الظاهر صاحب حلب، وقد استصحب معه الأجناد وجلب. فجاء عشية وجدد بلقاء والده عهده، ثم عاد وعاد بكرة الثلاثاء يقدم جنده. ومعه سابق الدين عثمان صاحب شيرز، وقد استكثر معه واستظهر، وعز الدين بن المقدم ذو القدر الافخم، والنجر الأكرم. وحسام الدين حسين باريك، وجماعة من الأمراء من ذوي المكانة والبسالة والغناء. وقدم الملك الأمجد مجد الدين بهرا مشاه بن فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيوب صاحب بعلبك، وقد استصحب غلمانه الاكاديش ومماليكه الترك.

وكان لذلك اليوم روتق، وصفاء لم يشبه رنق. واتفق في يوم الاثنين هذا من العدو على البلد الزحف الشديد، في الخلق العظيم، جحيمين يلتهبون بنار الجحيم.

وتركتهم أصحابنا حتى قربوا من السور. وأقدم العدو إقدام المتهور الجسور. فلما ازدحموا وكثؤوا؛ واضطرموا واستعروا؛ غنت لهم الأوتار برنين القسي فطاشت لها السهام، ودعت إليهم الأقدار بجنين الحنايا فلباها في لباتهم الحمام. وزارتهم من الزيارات الجروخ، وأخذت نيرانهم تبوخ. ورشتهم المجانيق بالأحجار، وآذنت عيون نجيعهم بالانفجار. وخرج أصحابنا عليهم فشلوهم إلى الخيام، وفلوهم بحد الإقدام. وأفضى الخرق إلى الخرق، وأخلقت بجدة جدنا جدة أولئك الخلق.

[ذكر حوادث تجددت ومتجددات حدثت]

وصل الخبر في سادس عشر رمضان من حلب أن صاحب إنطاكية أغار على غرة بشره وبشرة، ووصل الجاسوس بخبره، وبما البلاد مشرفة عليه من خطره. فرتب أصحابنا له كمينا، ثم خرجوا عليه شمالا ويمينا. فقتلوا اكثر رجاله، وأفلت وباله في وباله. وإنهاض من تلك النهضة، وضعف من تلك العضة. وفي هذا التاريخ ألقت الريح إلى ساحل الزيب بطستين خرجتا من عكاء بجماعة من الرجال والصبيان والنساء للتغريب. وفيها امرأة محتشمة، غنية محترمة. فأخذتا وأخذوا وأخذت، وجد الفرنج في استنفاذها فما استنقذت. وسرنا ما ساء العدو، وآتانا الله من إحسانه المرجو.

وفي عشية الاثنين تاسع عشر رمضان رحلنا إلى منزل يعرف بشفرعم، وخص بهذا الرحيل النفع وعم. وكان سبب ذلك إنه كثر المستأمنون إلينا من الفرنج، وأخبروا أنهم في عزم الخروج إلى المرج. هائجين للثار ثائرين إلى الهيجاء، مائجين من دأماء الدماء لحب اللقاء. وصح هذا الخبر وصدق، ووضح الحق وتحقق. فأحضر السلطان الأمراء الأكارم؛ ورجال الحقائق الضراغم؛ الذين هم له أعوان صدق لساعات أيامه،

<<  <   >  >>