للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وترك السلطان الأسلاب والخيول لآخذيها. وكانت بأموال عظيمة، فما أعارها نظرة ولا تردد أمره فيها. وفيها حصن كأنها حصون، وزرد موضون، وخوذ منها مذهب ومدهون، وسيوف ذكور تتولد منها المنون. وملابس رائقات تحار فيها العيون.

وأبنا بالملوك مصفدينا، وحمدنا الله الذي بإرشاده هدينا. وجلس السلطان في خيمته على دست ملكه، وقد انتظم له عقد النصر في سلكه. فمن كان عنده أسيرا تحضره، فأنعم عليه وشكره.

وكنت عند السلطان جالسا؛ ولحبير الحبور لابسا؛ وقد جمع عنده أولئك الأسراء، وما أسعد الله إلا في تلك الساعة أولئك الأشقياء. (ودامت محاورته لهم مشافهة)، وأطعمهم بعد ما آنسهم فاكهة. ثم بسطهم ببسط الخوان وأشبعهم وارواهم، ثم أحضر لهم كسوة وكساهم. والبس المقدم الكبير فروته الخاصة؛ فقد كان الزمان قد برد، وفصل الشتاء قد ورد. وأذن لهم في أن يسيروا غلمانهم لإحضار ما يريدون إحضاره وإعلام من يؤثرون أن تعرف معارفه أخباره. ثم نقلهم إلى دمشق

للاعتقال، وحفظهم بالقيود الثقال.

[فصل من كتاب بشرح الحال ووصف المقام مع الاعتلال]

ولما كانت ليلة السبت ثالث عشري شوال؛ كانت نوبة اليزك لأخينا الملك العادل؛ فأشار بإنفاذ عدة إليه تكون في الكمين، وتقيم في المكمن إقامة خادرات الأسود في العرين. فأنفذنا إليه من مماليكنا سرية سرية سرت سرا واستسرت وسرت، وقرت في مكمنها إلى أن طابت الأنفس بصنعها وقرت.

ولما أصبح الفرنج يوم السبت خرجوا على العادة عادين، وللمنايا إلى ناديهم منادين. فاستطرد من حضر من العرب واليزكية قدامهم، واظهروا أنهم قد ظهروا عليهم وهربوا ورهبوا إقدامهم.

وما زالوا ينهزمون وهم وراءهم، يقوون فيهم رجاءهم، حتى أبعدوهم عن المأمن، وعبروا بهم عن المكمن. فخرج عليهم الكمين من خلفهم، وفتح عليهم أبواب حتفهم، واروهم وجوه المنايا في مرايا غرر الجياد، ونزعوا عنهم لباس الجلد الجلاد. فلقوا البيض بالبيض، وفلحوا الحديد بالحديد، وأشعلوا نار الظبا في ماء الوريد. وفضوهم بالفضاء، وعروهم بالعراء، ولتوهم باللتوت، وبتوا أعناقهم من حبل الوتين المبتوت. فلم ينج منهم ناج، ولم يبق منهم للبقاء راج.

وأسرت عدة من مقدميهم، ومعروفيهم ومحتشميهم. وكانت هذه بحمد الله نوبة بغير نبوة، وكرة بغير كبوة، وغزوة آنت بأوفر حظوة، ووقعة أدنت بل أجنت كل نصرة نضرة عذبة حلوة. والحمد لله الذي تزكو أنعمه بسقيا الحمد، وتوضح عوارفه لساكريها جدد الجد.

ولولا مرضنا في النوبة الأولى التي خرجوا فيها بأجمعهم؛ لما نجوا بحشاشتهم بل تعجل مصيرهم إلى

<<  <   >  >>