للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قربة، لاسيما فيمن اجتمعت عنده غربة وعزبة. وسقين الخمر، وطلبن بعين الوزر

الأجر. وتسامع أهل عسكرنا بهذه القضية، وعجبوا كيف اعبدوا بترك النخوة والحمية.

وأبق من المماليك الأغبياء؛ والمدابير الجهلاء؛ جماعة جد بهم الهوى، وأتبعوا من غوى، فمنهم من رضي للذة بالذلة، ومنهم من ندم على الذلة فتحيل في النقلة. فإن يد من لا يرتد لا تمتد، وأمر الهارب إليهم لاتهامه يشتد؛ وباب الهوى عليه يستد. وما عند الفرنج على العزباء إذا أمكنت منها الأعزب حرج، وما أزكاها عند القسوس إذا كان للعزبان المضيقين من فرجها فرج. ووصلت أيضا في البحر امرأة كبيرة القدر، وافرة الوفر، وهي في بلدها مالكة الأمر. وفي جملتها خمسمائة فارس بخيولهم وأتباعهم، وغلمانهم وأشياعهم. وهي كافلة بكل ما يحتاجون إليه من المؤونة، وزائدة بما تنفقه فيهم على المعونة. وهم يركبون بركباتها، ويحملون بحملاتها، ويثبون لوثباتها، وتثبت ثباتها لثباتها.

وفي الفرنج نساء فوارس، لهن دروع وقوانس. وكن في زي الرجال، ويبرزن في حومة القتال، ويعلمن عمل أرباب الحجا وهن ربات الحجال. وكل هذا يعتقدونه عبادة، ويخلن أنهن يعقدن به سعادة، ويجعلنه لهن عادة. فسبحان الذي أضلهن، وعن نهج النهى أزلهن.

وفي يوم الوقعة قلعت منهن نسوة، لهن بالفرسان اسوة، وفيهن مع لينهن قسوة، وليست لهن سوى السوابغ كسوة. فما عرفن حتى سلبن وعرين، ومنهن عدة استبين واشتربن. وأما العجائز امتلأت بهن المراكز؛ وهن يشددن تارة ويرخين، ويحرضن وينخين. وقلن أن الصليب لا يرضى إلا بالإباء، وأنه لا بقاء له إلا بالفناء؛ وأن قبلا معبودهم تحت استيلاء الأعداء. فانظر إلى الاتفاق في الضلال بين الرجال منهم والنساء. فهن للغيرة على الملة مللن الغيرة، وللنجاة من الحيرة ناحين الحيرة. ولعدم الجلد عن طلب الثأر تجلدن، ولما ضامهن من الأمر تبلهن

وتبلدن.

[ذكر ما أهداه عز الدين مسعود ابن مودود بن زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل من النفط الأبيض والرماح والتراس]

ولما عرف صاحب الموصل ما شرع فيه السلطان من تكثير العدة؛ وتقوية النجدة؛ لكل ما يمكنه من أسباب البأس والشدة؛ سير من أعمال النفط الأبيض مع عزة وجوده ما وجده. ومن التراس والرماح من كل جنس أحكمه وأقومه وأجوده. وشاع الاعتداد، وذاع الإحماد؛ ودل ذلك على اتشاج الوداد؛ والامتزاج والاتحاد.

<<  <   >  >>