للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ذكر مكاتبة أنشأتها إلى بعض الأطراف بشرح ما يسره الله في هذه الوقعة من الألطاف]

وقد سبقت المكاتبة بشرح الأحوال وذكرها، وشكر ألطاف الله الخفية وإبداء سرها، ونشر مطاوي النعم بإذاعة طيها وإشاعة نشرها، وذكر فيها ما الفرنج عليه من اجتماع راجلها وفارسها، والاحتماء بخنادقها ومتارسها، وان لنا كل يوم فيهم نكاية بالغة، وسطوة دامغة، وثعالب عوامل في دمائهم والغة، ومضارب مناصل لرءوسهم فادغة، ونيوب عواسل لمضغهم ماضغة، وذيول نقم عليهم في تقليص ظلال ضلاله مسابغة، وأيدي أيد لصفحات البيض بنجيعهم القاني صابغة، وضمائر وضوامر عن كل شغل سوى شغل الجهاد فارغة، وهمما وعزائم لا ترى عن وقم القوم أهل الزيغ زائغة.

وما برح الفرنج في برج شديد، وأمر غير سديد، وظل للذل مديد، وضيق حصر في كل يوم جديد جديد. حتى ضاقت أنفسهم وأنفاسهم، وأخفق رجاؤهم وظهر يأسهم، ووقع بينهم بطول المقام بأسهم. فأجمعوا أمرهم على انهم يجدون في اللقاء، ويهيجون إلى الهيجاء. ويلقون الألوف بالالوف، ويصدمون الصفوف، ويعرضون نحورهم ووجوههم على الأسنة والسيوف، ويجمعون في كلام الكلوم من الصواهل والصوارم بين الأصوات والحروف. ويكسفون بشبه التثليث أدلة التوحيد، ويكشفون الضر عنهم بالجد الديد، والحد الحديد.

وبرز ذلك الخميس يوم الأربعاء لعشر بقين من شعبان، ورفعوا الصلبان وأشرعوا الخرصان، وتبعوا الشيطان، ورتبوا الرجال وطلبوا الفرسان. وحملت لهم اطلاب تضم ابطالا، وتضمن بباطلها للحق أبطالا. وتأمل لشملها المتفرق اجتماعا، وترجو للصليب السليب ارتجاعا. وعصفت رياحها الهوج وأقبلت بحار سوابحها

وسوابغها تموج. وكاد أن يثبت للشيطان قدم، ويراق للإيمان دم. فإنها خرقت حجاب الصف، وفرقت شمل الجمع الملتف. وراع جنان الجبان وهمه وهمه، وأدبر موليا وعزمه زعمه. فظن من لا يقين له أن الإسلام قد أسلم، وأن نصر الله الموجود قد عدم، وأن الكفر المتأخر قد تقدم، وأن الصبح المتبلج قد أظلم.

وهناك عرف أهل الثبات وثبت أهل العرفان، ورقصت المران على اشاجع الشعان، والتفت العنان بالعنان، والتقى السنان بالسنان. وخطبت الصوارم على منابر الطلى. ورتعت اللهاذم في كلأ الكلى. وفتحت اليغالق مغالق الحتف، وزحفت الفوارس إلى فوارس الزحف. وعطف العساكر المنصورة طلابا لتلك الاطلاب، ووصلت ضرب الأعناق بقطع الرقاب.

وما زالت تشل الفرنج وتفلهم؛ وتحل بعقدهم الوهن وتحلهم؛ وتروى طمأ الظبا من ورد وريدهم؛ وتخضب شيب البيض بدم طريدهم؛ حتى فرشت بعد

<<  <   >  >>