للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد جاءوا بقوة العز فآبوا بضعف الذل. واستقلهم أصحابنا فركبوا أكتافهم، وحكموا في رقابهم أسيافهم. وردوهم وأردوهم، وعدوا على شركائهم في الشرك فأعدوهم.

وكان في ميسرتنا عسكر سنجار والأسدية. فما زالوا وما زالوا، بل وصلوا وصالوا وصلوا. وحملت عليهم ميمنة الفرنج فكأنما مرت بالجبال الرياح، وخالطوها فودعت أجسامها الأرواح. وعاد من كان من الميمنة الإسلامية بالبعد، حاد المضاء ماضي الحد. مثل: تقي الله، وقايماز النجمي، والحسام بن لاجين، ومن ثبت من أبطال المجاهدين. فعكروا على ميسرة الفرنج فشلوها، وأنهلوها من

دمائها واعلوها، ولفوها وفلوها، ولقوها واقلوها. ووضعوا فيها السيوف، وأوضعوا إليها الحتوف. وأوسعوها قتلا ذريعا؛ وما أبطأ الوقت حتى صار مقدامها صريعا سريعا.

فلم يفلت من الأعداء إلا أعداء، ولم ينج من آلافها إلا آحاد. وأمست لنار الحرب فراشا، ولأرض المعركة فراشا.

وتبعها أصحابها حتى كلت سيوفهم وكلوا، وملت لتوتهم وليوثهم وملوا. وفرس زهاء خمسة آلاف فارس، من كل ممار ممارس، ومستوحش بالموت آنس. وممن أودى في الإقدام مقدم الداوية، ولم تحمه من الحمام ناره الحامية لنار الحمية.

وحكى عنه أنه قال: عرضنا في مائة ألف وعشرة آلاف، أحلاف الحاف وألاف إتلاف بلا تلاف. فلما عجزوا؛ وبالخندق احتجزوا، وقف عنهم أجنادنا، وبلغ المدى فيهم جهادنا واجتهادنا. ومن العجب ان الذين ثبتوا منا لم يبلغوا ألفا فردوا مائة ألف، وآتاهم الله قوة بعد ضعف. وكان الواحد منا يقول قتلت من المثلثين ثلاثين وأربعين، وتركتهم بالعراء عراة مصرعين، ولاشك أن الله أنزل ملائكته المسومين. وكل يتحدث بعد ذلك مما شهده، ويعهد إلينا بما عهده.

وحكى بعضهم قال: كنت على فرس قطوف، ماله منه سير ولا وقوف. وأنا منهزم من فارس مدجج، في بحر الحرب ملجج. وهو على جبل يجرى به جرى الريح، وينادى بشعار المسيح، وقد لز بقربي حصانه، وهز لصلبي سنانه. فما شككت أنه يشكني بلهذمه، ويفكني بمخذمه. وأيست من البقاء، وأنست للشهادة واللقاء. واستعذت بالله واستعنت، وتشاهدت مما شاهدت. ثم أبطأت على صدمته، وأخطأتني حدمته، فالتفت فإذا هو وحصانه مبقى كلاهما، وما وجدت بالقرب أحدا أقول أنه أرداهما. فعرفت أنه نصر الهي، وصنع رباني، في مذاق الإيمان شهى، وفي آفاق الإحسان بهي. فأيقنت أن النصرة ما ملكت إلا الملائكة نصرت، وأن

الظهور ما سر لأسرار لله ظهرت.

<<  <   >  >>