للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: كأنك كتب البشائر فهاتها، حتى تهدى إلى طرقاتها. فقلت: ما فات فات، وهيهات هيهات وأخرجت له ما بقي من بشارات البلاد التي أنشأتها، بالألفاظ والمعاني التي ابتدعتها وابتدأتها.

فسارت فسرت البعيد والقريب، وخصت جدها بالخصب الجديب. وصدحت

بأسجاعها المنابر وصحت بسماعها المفاخر. وظهرت بعباراتها العبر، وبهرت بزبرها الزبر. وعمرت بمعانيها المغاني، وعمت مباهجها مناهج الأقاصي والأداني.

فما أصحها كسرة، وما أسحتها نصرة، وما أبينها محجة، وما أثبتها حجة، وما أفرجها مسرة، وما أسرها فرجة، وما أبرحها بالكفر صرعة، وما أوضحها للإسلام شرعة.

[فصل في ذكر حالهم]

لما عرف الفرنج انفصال جماعة من الأكابر؛ ومفارقة عدة كثيرة من العساكر؛ خرجوا متجاسرين وامتدوا متقاطرين، وانتشروا متغاورين، وأغاروا للواء اللاواء ناشرين. ووصلوا في الميمنة إلى الخيم العادلية فأخليت حتى دخلوها، وتفرقوا فيها بجموعهم وتخللوها. فركبنا اليهم، وحملنا عليهم. وتركناهم صرعى بالعراء، فوضى بالفضاء، فما بكت عليهم الأرض ولا السماء.

ورويت السيوف من دمائهم، قبل أن تشبع الوحوش من أشلائهم، وظهرت لنا نعمة الله في بلائهم، وجبى الإسلام بهلاكهم، وضمتهم إشراك الردى برداء إشراكهم.

وانجلت المعركة عن أكثر من عشرة آلاف قتيل كافر، وثبت حكم إدالة الإسلام وظهوره بأوضح دليل ظاهر. ولو اتفق خروجهم من مراكزهم بأسرهم، لكنا فرغنا من شغلهم وأخلينا بالنا بتأييد الله من أمرهم. والآن قمع انطفاء جمرتهم؛ وصحة أمزجة العزائم بكسرتهم؛ وتطرق القلة إلى كثرتهم؛ نرجو من الله أن يسهل أمرهم العسير، ويهون خطبهم الخطير. وأن ظهورنا عليهم قطع ظهورهم، وعثور هذه الوقعة بهم حقق عثورهم، والله تعالى يحقق تبارهم ودحورهم.

[فصل فيه]

وصلوا إلى الخيم العادلية في الميمنة الميمونة، واشتغلوا باستباحة أحوالها

المصونة. فأطلقنا عليهم الأعنة، وشرعنا إلى نحورهم الاسنة، وبعنا النفوس لنتسلم ثمنها الجنة. وفرشناهم على الأرض، وأدينا بإرادائهم بإرائهم بعض الفرض. وانجلت المعركة عن عشرة آلاف قتيل مشرك، وشملتهم المنون فكأنهم جاءوا على موعد مهلك. واروينا من دمائهم ظمأ السيوف، وجعلنا أشلاءهم قرى الوحوش لا الضيوف. وأمن

<<  <   >  >>