ولما أراد السلطان عن بيروت الانفصال؛ وذلك في يوم السبت الحادي والعشرين من شوال؛ قيل له: إن الابرنس الانطاكي قد وصل إلى الخدمة، مستمسكا بحبل العصمة، داخلا حكم الذمة. فثنى عنانه ونزل، وأقام وما ارتحل، وأذن للابرنس في الدخول، وشرفه في حضرته بالمثول. وقربه وآنسه، ورفع مجلسه. واظهر له البشاشة والهشاشة، وسكن من روع روعه الحشاشة.
وكان معه من مقدمي فرسانه أربعة عشر بارونيا، ووهب كلا منهم تشريفا سريا. وأجزل له ولهم العطاء، وأبدى بهم الاعتناء. وكتب له من مناصفات إنطاكية معيشة بمبلغ عشرين ألف دينار، وخص أصحابه بمبار، وأعجبه استرساله إليه ودخوله عليه بغير أمان، فلا جرم تلقاه بكل إحسان. وودعه يوم الأحد وفارقه، ووافق مراد السلطان إنه بمراده وافقه. وانصرف المذكور مسرورا، بين أسرته مذكورا، محبوا بالمنح والمنن محبورا.
[ذكر وصول السلطان إلى دمشق]
لما خرج السلطان من بيروت يوم الأحد بات بالمخيم على البقاع، وأحضرنا تلك الليلة في نادي فضله للمؤانسة والإمتاع. وتجاذبنا أطراف الآراء، وهززنا منه أعطاف الآلاء. واستدنينا قطاف النعماء. وقد قرب الدخول إلى البلد، والوصول إلى الأهل والولد. وكل يقترح مقصودا ويقصد اقتراحا، ويظهر إلى سكنه ومسكنه ارتياحا والتياحا. ورحلنا يوم الاثنين وعبرنا عين الجر وبتنا على مرج يبوس، وقد شرح الله الصدر وأطاب النفوس. ووصل إلينا من أعيان دمشق من سبق للتلقي والاستقبال. وأظهروا بقدومنا أسباب الاحتفاء والاحتفال. وجاءتنا فواكه
دمشق وأطايبها، واغتصت بالواصلين إلينا مسالكها ومذاهبها. ورحلنا يوم الثلاثاء وبتنا بالعرادة، وجرى المتلقون في التحفي بالتحف على العادة. وأصبحنا يوم الأربعاء ودخلنا إلى دمشق وقد أخرجت أثقالها، وأبرزت نساءها ورجالها. وكان يوم الزينة، وخرج كل من بالمدينة. وحشر الناس ضحى، وأشاعوا استبشارا وفرحا.
وحل في القلعة حلول الشمس في برجها، وقد جلت اوجه السعود بأوجها، وأخذت بحار سماحه في موجها، وسلكت المناجح في نهجها، وجاءت المنائح في فجها بفوجها. وصفت شرعة الشرع لواردها، وضفت حلة الكرامة على وافدها. وفتحت مرتجات أبواب الآلاء