وتشنف أقطار النادي بأقراط قطار الندى، وتفوف حافات الوادي بالوشي الوشيع من حوك الرباب حول الربا. فإذا طاب النسيم ونسم الطيب؛ ودعا البلبل ولبى العندليب؛ وتعطر عبير الربيع، وتصور الشقيق كأنه تخمر من عجين النجيع؛ ووافق مراد المرعى من المراد المريع؛ وحلا الجنى اللجيني؛ وحلى النضير النضارى؛ وبقل العذار البنفسجي؛ واشتعل الخد الجلناري الناري؛ ونجم في الروض النجم السمائي المائي؛ وابتسم الثغر الأقاحي، وتنسم الضوع الصباحي؛ وتحرك العرف السحري الشجري، وتأرج النشر الروضي؛ وتبلج البشر الوضي؛ وانتشى النشأ الشمالي الشمولي؛ وانتعشت عاثرات أعشاب الشعاب؛ وقابلت القبول خطبة الفضل الخطاب؛ وصبت الصبا في محل خطيئة المحل بصوب الصواب؛
فحينئذ آل جماح الأصحاب إلى الأصحاب، وصرفت أشاجيع الشجان؛ وأيمان أهل الإيمان؛ كل مواج العنان؛ رواج السنان. ونزعت إلى الحلاب، ورشفت القواطع بشفاه الشفار ضرب الضراب. واجتمعت العساكر وعسكرت الجموع، وسرت الطلائع وسر الطلوع. ونهض أهل الجد وجد النهوض، وفاضت المنابع ونبعت الفيوض وضرب السرادق السلطاني حيث النصر ينزل، والسعد يقبل، واليمن يشمل والنجح يسهل، والظفر يمثل، والأمر يمتثل. والجد يسمن والهزل يهزل، والعزم يولي والوني يعزل. ويعم العدل مع اعتدال الزمان كل مكان، ولا يتنفس إلا بحديث الطاعة من يحدث نفسه بعصيان.