للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووصلوا إلى الفرنج والجياد قد رزحت، والقوى قد نزحت. فاضطروا إلى القتال وقاتلوا على الاضطرار، وقتلوا جماعة من كفاة الكفار، واستشهد ثلاثة من المماليك الخواص الكبار، وهم: (إياز المهراني)، و (جاولي الغيدي)، و (صارو)، وسروا في جنات النعيم بما إليه صاروا. وأسر من الفرنج فارسان معروفان، وأحضرا عند السلطان.

وانفصلت الحرب وقت الظهر، وعاد حزب الإسلام عن حزب الكفر. وجلس السلطان والقلائع تعرض عليه، والخيل تقاد إليه، والأسارى يحضرون بين يديه. وأخوه العادل عنده جالس، وكلاهما لأخيه مؤانس.

[ذكر اجتماع العادل بملك الانكتير]

وفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال، ضرب الملك العادل بقرب اليزك لأجل ملك الانكتير ثلاث خيام. وأعد فيها كل ما يراد من فاكهة وحلاوة وطعام. وحضر ملك الانكتير وطالت بينهما المحادثة، ودامت المثافنة والمنافثة. ثم افترقا عن موافقة اظهراها، ومصادقة قرراها. ومضى الملك واستصحب معه الكاتب العادلي المعروف بالصنيعة، ليتفقد الأسارى الذين بيافا، ويتدارك أمرهم ويتلافى. وكان قد وصل صاحب صيداء من صور برسالة المركيس، وأنه يرغب في سلوك نهج التأنيس. وأن يكون لسلطان مصالحا، وله على الطاعة مصافحا. حتى يقوي يده على ملك الانكتير، ويتفرد هو بالملك والتدبير. وعرف ملك الانكتير بالحال، فوصل رسوله أيضا بالاحفاء بالسؤال. ومضى العدل مع صاحب صيداء إلى المركيس على شرائط قررت، ونسخ أيمان حررت.

وأما مراسلة الملك فلم تسفر عن المقصود، ولم يجر من تلونه إلا على المعهود. وكلما ابرم عهدا نقضه ونكثه، وكلما قوم أمرا عكسه وعلثه وكلما قال قولا رجع عنه، وكلما استودع سرا لم يصنه. وكلما قلنا يفي؛ خان، وإذا خلنا إنه يزين، شان، وعن كل خزي أبان.

وفي يوم الأحد سابع عشر شوال عاد السلطان إلى المخيم بالنطرون، وأقام على الثبات والسكون. وفي يوم الخميس مستهل ذي القعدة سار ابن قليج ارسلان صاحب ملطية مودعا، وركب السلطان وسار معه مشيعا. وعقد له على ابنة الملك العادل بصداق مائة ألف دينار، ومضى وقد حصل على ذخائر من استبشار وافتخار، واستنصار، ويسر ويسار.

ورحل الفرنج يوم السبت ثالث ذي القعدة وتقدموا إلى الرملة ونزلوا بها، وخيموا في أقطارها وسهوبها. ولم نشك في أنهم على قصد القدس بأهل الرجز والرجس.

وأقام السلطان في كل يوم له سرايا، للكفر منها رزايا. ولنا كل يوم وقعة شديدة، وفتكة بالكفر مبيدة. وما يخلو يوم من أسرى تقاد، وغنائم تستفاد. ثم توالت الأمطار، وتوعرت السهول وتوحلت الأوعار. فعزم على الرحيل، وأمر بالتحويل.

<<  <   >  >>