للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بغير رفيق ولا عون. فعرقب الفرنجي فرسه بسيف في يده، فنزل بجده مستنا في جدده. وقتل ذلك الفرنجي وروى من دمه الهندي، وحل من وسطه ثمانين دينارا. فانقلب ربحا ما عده خسارا. وامتلأت الأيدي بالأسلاب والاكساب، وحصل من العدد ما لم يكن في الحساب. وبيعت الزرديات - ذوات الأثمان - بالرخص، وزادت أرباح أهل السوق بذلك النقص.

وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من جمادى الآخرة؛ ورد في عصره نجاب من حلب بعد خمسة ايام، بكتاب يتضمن نجح كل مرام. ويخبر بأن عسكرا مجرا من الكفار؛ خرج للغارة على الأطراف والأقطار فخرج إليه العسكر وأخذ عليه الطريق، وطلب ذلك الجمع في الهزيمة المضيق. فلم يصح لهم رشد في منهاج، ولم ينج منهم ناج. فعضد ذلك الخبر هذا العيان، وقاموا بهوان الكفرة البرهان. وسر الخواص والعوام وخص وعم السرور، وأنارت المطالع وطلع النور.

وشرح الفرنج في الخداع؛ والمراسلة في أمر للجانبين عام الانتفاع. وسألوا في الصلح، والخروج من ليل الحرب في السلم إلى الصبح. وأذن لهم السلطان في الخروج، للنظر إلى أولئك الصرعى بتلك المروج. وهي قد تورمت وأنتنت وجافت، وحميت الشمس على جيفها وحافت، وضافتها القشاعم والخوامع وعليها أطافت. فساءهم ما سرنا، ونفرهم ما أقرنا.

[ذكر ما تجدد للفرنج من الانتعاش بوصول الكندهري بالمال والرياش وما اعتمده السلطان من الاحتياط إشفاقا من التفريط والإفراط]

وما زال الفرنج في وهن وضعف؛ وتوزع بينهم وخلف، حنى وصل في البحر يقال له هرى؛ وهو عندهم عظيم القدر. فكمل بمن وصل معه نقصهم، وأحيا بعد موت نفوسهم حرصهم. وأفاض عليهم الأموال، وحلى منهم بعد عطلها الأحوال. ورصع بالرجال مراكز من صرع، وقرع السن ندامة على من قلع وقرع، وانفسخ عزمنا عما كان فيه شرع. فقد كان العزم بل الحزم أن نبادرهم على ضعفهم، قبل أن يمدهم البحر يضعفهم. فكان من تقدير الله تأخير ما وجب تقديمه، والتواني فيما تعين تتميمه.

ولما وصل هذا الكند وتمكن، وقوى أهل بكل ما أمكن، اظهر إنه يكبس عسكرنا ليلا على غرة، وبدت منه إمارات كل شره وشرة. وشاع هذا الخبر على السنة الجواسيس والمستأمنين، فأحضر السلطان أمراءه وخواصه المؤمنين الميامين. واستشارهم فيما يقدمه من الصواب، ويفتحه في المصالح الراجحة من الأبواب.

فأشاروا بايساع الحلقة، وإدارتها كالمنطقة. والتنفيس عن العدو بالتأخر عن قربه، حتى يأنس إلى

<<  <   >  >>