للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[وصف البيت المقدس]

وقال: إن أسعدنا من الله على إخراج أعدائه من بيته المقدس فما أسعدنا، وأي له عندنا إذا أيدنا. فإنه مكث في يد الكفر إحدى وتسعين سنة، لم يتقبل الله فيه من عابد حسنة، ودامت همم الملوك دونه متوسنة وخلت القرون عنه متخلية. وحلت

الفرنج به متولية. فما ادخر الله فضيلة فتحه إلا لآل ايوب، ليجمع لهم بالقبول القلوب. وخص به عصر الإمام الناصر لدين الله ليفضله به على الاعصار، ولتفخر به مصر وعسكرها على سائر الأمصار.

وكيف لا يهتم بافتتاح البيت المقدس الأقوى؛ والمسجد الأقصى المؤسس على التقوى؛ وهو مقام الأنبياء، وموقف الأولياء، ومعبد الأتقياء، ومزار إبدال الأرض وملائكة السماء. ومنه المحشر والمنتشر، ويتوافد إليه من أولياء الله بعد المعشر المعشر. وفيه الصخرة التي صينت جدة إبهاجها، ومنها منهاج المعراج، ولها القبة الشماء التي على رأسها كالتاج. وفيه ومض البارق ومضى البراق. وأضاءت ليلة الإسراء بحلول السراج المنير فيه الآفاق.

ومن أبوابه: (باب الرحمة) الذي يستوجب داخله إلى الجنة بالدخول الخلود، وفيه (كرسي سليمان) و (محراب داود)، وله (عين سلوان) التي تمثل لواردها من الكوثر الحوض المورود. وهو أول القبلتين، وثاني البيتين، وثالث الحرمين. وهو أحد المساجد الثلاثة التي جاء في الخبر النبوي أنها تشد إليها الرحال، ويعقد الرجاء بها الرجال.

ولعل الله يعيده بنا إلى أحسن صورة، كما شرفه بذكره مع أشرف خلقه في أول سورة، وقال عز من قائل (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) وله فضائل ومناقب لا تحصى. وإليه ومنه كان الاسراء، ولأرضه فتحت السماء، وعنه تؤثر أنباء الأنبياء، وآلاء الأولياء، ومشاهد الشهداء، وكرامات الكرماء، وعلامات العلماء. وفيه مبارك المبار، ومسارح المسار.

وصخرته الطولى، القبلة الأولى. ومنها تعالت القدم النبوية، وتوالت البركة العلوية. وعندها صلى نبينا صلى الله عليه وسلم بالنبيين، وصحب الروح الأمين،

وصعد منها إلى أعلى عليين. وفيه محراب مريم عليها السلام الذي قال الله فيه (كلما دخل عليها زكريا)، ولنهاره التعبد ولليله المحيا. وهو الذي أسسه دتود ووصى ببنائه سليمان. ولأجل إجلاله أنزل الله سبحان، وهو الذي افتتحه الفاروق وافتتحت به سورة الفرقان.

فما أجله وأعظمه، وأشرفه وأفخمه، وأعلاه وأجلاه، وأسماه وأسناه. وأيمن بركاته وابرك ميامنه، وأحسن حالاته وأحلى محاسنه، وأزين مباهجه وأبهج مزاينه. وقد اظهر الله طوله وطوله، بقوله (الذي باركنا حوله). وكم

<<  <   >  >>