للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السوء بمنازل دوائرهم.

وما دام البحر يمدهم والبر لا يصدهم؛ فبلاء البلاد بهم دائم، ومرض القلوب بأدوائهم وأسوائهم ملازم. وتدبيرنا الآن في التدمير على هذه الجموع، وسوقهم إلى مصارعهم في ورطة الوقوع. فأين حمية المسلمين، ونخوة أهل الدين، وغيرة أهل اليقين؟. . وما ينقضي عجبنا من تضافر المشرك على شركه، وتظاهرة في اتساع مسلكه واتساق سلكه. وقعود المسلمين عن المسلمين وتقاعدهم وتعاضلهم في تعاضدهم، وانحلال عقود تعاقدهم. فلا ملبي فيهم لمناد، ولا مثقف لمناد، ولا موري منهم في إجابة داع لزناد.

فانظروا إلى الفرنج أي مورد وردوا، ورأى حشد حشدوا، وأية ضالة نشدوا، وأية نجدة أنجدوا، وأية أموال غرموها وأنفقوها، وجدات جمعوها وتوزعوها فيما بينهم وفرقوها. ولم يبق ملك في بلادهم وجزائرهم؛ ولا عظيم ولا كبير من عظمائهم وأكابرهم؛ إلا جري جاره في مضمار الانجاد، وبارى نظيره في الجد والاجتهاد. واستقلوا في صون ملتهم بدل المهج والأرواح، وأمدوا أجناسهم الأنجاس بأنواع السلاح مع أكفاء الكفاح. وما فعلوا ما فعلوا؛ ولا بذلوا ما بذلوا؛ إلا لمجرد الحمية لمتعبدهم والنخوة لمعتقدهم.

وليس أحد من الفرنجية يستشعر أن الساحل إذا ملك؛ ورفع فيهم حجاب عزهم وهتك؛ يخرج بلد من يده، أو تمتد يد إلى بلده.

والمسلمون بخلاف ذلك قد وهنوا وفشلوا، وغفلوا وكسلوا. ولزموا الحيرة، وعدموا الغيرة. ولو انثنى - والعياذ بالله - للإسلام عنان، أو خبا سنى ونبا سنان؛ لما وجد في شرق البلاد وغربها، وبعد الآفاق وقربها، من لدين الله يغار، ومن لنصرة الحق على الباطل يختار.

وهذا أوان رفض التواني، واستدناء أولي الحمية من الأقاصي والأداني. على أنا بحمد الله لنصره راجون، وله بإخلاص السر وسر الإخلاص مناجون،

والمشركون بإذن الله هالكون، والمؤمنون آمنون ناجون.

[ذكر ما عرض للعسكر بعد ذلك من العذر فصد عن قصد المباكرة لمناجزة أهل الكفر]

وعاد السلطان إلى مضاربه وقد عادت مضاربه إلى عادة المضاء، وزادت مشاربه من مادة الصفاء، وأمر بمواراة الشهداء، ومن جملتهم: الفقيه (أبو علي بن رواحه) وكان غزير الفضل قد أكمل الرجاحة والسجاحة. وهو شاعر مفلق، وفقيه محقق، من ولد (عبد الله بن رواحه الصحابي الأنصاري) في الشهادة والشعر معرق، فطرفه الأعلى يوم مؤتة مع (جعفر الطيار)، وطرفه الأقرب يوم عكاء في لقاء الكفار.

ومنهم: (إسماعيل الصوفي الأرموي المكبس) وكان سديدا عفيفا، عارياً من العار لا يتدنس بالشبه ولا يتلبس. ومنهم: شيخ من الحاشية في بيت الطشت. وغلام في الخزانة أمين على البيت.

<<  <   >  >>