للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوتارها. وهم في لباس حديد سد على السهام المنافذ، واشتك النشاب فيهم فأشبهوا قنافذ.

وكانت هناك بركة كبيرة، ومياهها غزيرة. وهم على عزم ورودها، والإحاطة بحدودها. فحلأناهم عنها، وأبعدناهم منها. وكان الحزم تركهم حتى يخرجوا إلى الفضاء، فيدخلوا من تمكننا منهم تحت حكم القضاء. لكنهم ارتابوا وارتاعوا، وطلبوا النزول بها فما استطاعوا. فانحرفوا إلى الساحل، وانصرفوا بالفارس والراجل. واجتمعوا سائرين، وساروا مجتمعين.

وما زلنا نلزهم ونهزهم، ونحفزهم ونحزهم، حتى تمت مرحلتهم، وعمت مقتلتهم. وتثلمت لصفاح، وتحطمت الرماح، وأجرت الأنهار الجراح، وجرى بالارواح السماح.

وحضر السلطان مع الجالشية، ناجح الإرادة نافذ المشية، ونزلوا على نهر يقال له: نهر القصب. وقد انصبوا إلى النصب. وما كانوا يرجون، وما كادوا ينجون. ولما نزلت بهم في مسيرهم النوازل نزلوا، وحين وليتهم نصالنا ومناصلنا انعزلوا.

[مقتل إياز الطويل]

واستشهد في ذلك اليوم؛ الهمام المقدام، الأسد الضرغام، الطاعن الضارب، الباسل السالب. الغضنفر الهرماس، الفارس الفراس، أياز الطويل. وطالما عرض في سوق الشهادة، وأقدم أقدام الساعي إلى السعادة، وكان إلى الصريخ أسمع منتصت، ولعطاس النقع أسرع مشمت، والى ضيف الحمام أسبق متلفت، ولسيف الإقدام أرشق مصلط. لا يروعه الروع إذا حفزته عزمته، ولا يهوله الهول إذا همت به همته.

وهو أول من يركب وآخر من ينزل، ويدبر سواه وهو يقبل، ويسابق إلى المضار ولا يمهل. وهو أبدا يدعو إلى المبارزة، ويعود على المناجرة. ويقف بين الصفين علا صافته؛ ويرحل على مطايا الحنايا من بنات كنائنه؛ إلى مقاتل المقاتلين ظعائن ظغائنه. فما برز إليه إلا من برزت إليه منونه، وفاضت بالدم من عيونه. فكم كف للكفر كفها، وبكر للنصر زفها. وأنف للشرك جدعه، وذي أنف للفتك صرعه. ولبة للغضنفر ضبحت لثعالب رماحه، وطلية للمتغشمر طنت فيها أذبة صفاحه. وأجفان للأقران نبتت فيها أهداب سهامه، ووجوه للشجعان تفصلت في حساب حسامه.

فلما جاءه الأجل ما أجل، ولكن إلى الجنة به عجل. فإن حصانه خانه وما صانه. فعثر به في حالة الإقدام، وجلا قمره في هالة الحمام، ولم يخف لثقل الحديد للقيام. وطعن وضرب، واتاه من الكوثر سلسبيله فشرب. ولما أدركه الأصحاب ألفوه وقد فات، ورافق في عليين الأحياء في سبيل الله لا الأموات.

ونزلنا نحن بعد انقضاء الحرب على البركة، شديدي الشوكة، حديدي الشكة. ثم رحلنا ونزلنا على أعلى نهر القصب في أوله، وهو الذي نزل العدو في أسفله. وتقاربت ما بيننا تلك الليلة المسافة، وعندنا الأمن وعند العدو المخافة.

ولما أصبح

<<  <   >  >>