للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك الأبراج بالنفط في القدور وظهر من سر صنع الله ما كان في المقدور.

فتسلطت النار على عمل أهل النار، وتصاعدت زفرات غيظها بأنفاس الشرار. ولمع نور النصر الساطع من خلال ظلمة ذلك الدخان، وكان كما قال الله تبارك وتعالى (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنصران).

وعادت تلك الأكم وهادا، وذلك الجمر رمادا. وتحلحلت تلك الجبال وتحلل تركيبها، ولصق بالتراب ترتيبها، وتنكس منها صليبها. وكانت ثلاثة أبراج شاهقة، فلعبت في ملاعبها النيران فإذا هي زاهقة، وتنقلت نجوم الشعل في تلك البروج، وعجز شياطينها برجمات جمرات شهبها عن الخروج. وتسلط الحضيض على يفاعها، وباد الدارعون فيها بأدراعها. وأضحك الله ثغر الثغر بما أطابه من أرج الفرج، وأخمد باشتعال ذلك الوهج ما أكرب قلوب المؤمنين من الوهج، وصان مهج أهل التوحيد بما أراده لأهل التثليث من المهج.

[فصل]

تقدم المشركون بالأبراج إلى البلد فقربوا الأسوار من أسواره. وألصقوا منها جدرانا بجداره، وأشرف الثغر على الخطر العظيم من جواره. فأظهر الله ما كان خفيا من سر أقداره، وأحرق عمل أهل النار بناره.

وكان أصحابنا لما عاينوا ما دهمهم وهمم، وخصهم من الحطب وعمهم، نصبوا مجانيق الأبراج، وصدعوها بها صدع الزجاج. ورموها منها بقدور النفط

فاشتعلت رءوسها وشابت وشبت، ومشت النار في أطرافها وأعطافها ودبت، وأرسل الله في تلك الساعة بعذابها ريحا بها هبت، فأمست أجنحتها قد حصت، وأسنمتها قد جبت، وسقط في أيديها وجبت جنوبها؛ وكبت على وجوهها في النار وكبت، فما افصح السنة النيران وقد نادت بنصرنا ولبت، وألفت منها قلوبنا بما ألفت من نقع غبيلها وأحبت، والحمد لله على ألطافه التي ما غابت ولا أغبت.

وقصدنا بذكر هذه الفصول ذكر الأحوال التي جرت بحقها وحقيقتها، وحليتها وجليتها. فإنه يشتمل كل فصل على تمام ما أغفل في غيره، ومقصودنا استيعاب كل حادث بذكره.

[ذكر تاريخ وصول الأكابر في هذه السنة]

وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الآخر، قدم (عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي) بمن استنهضه من العساكر. وكان أول من استقبله حين ظهرت راياته من العسكر كتابه وقضائه. ثم لقيه (الملك المظفر تقي الدين) بتل كيسان؛ ولقيه بعده (الملك الظافر

<<  <   >  >>