للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجثمهم. وما أنسوا بمرابض المضارب، إلا لنفرتهم من مضارب القواضب. وهم مع ذلك يرجفون تارة بالخروج إلى المصاف، وآونة بالنهوض إلى بعض الأطراف. وفي كلا القصدين إن شاء الله دمارهم المعجم، وبوارهم المؤمل. فإنا نعترضهم أين واجهوا. ونواجههم أين اعترضوا، ونعثرهم أين نهضوا، ونثيرهم للموت أين ربضوا. وربما غرتهم عكاء فطمحوا وكمعوا. واتفقوا على المصاف واجتمعوا. ووقعوا على نار الحرب وقوع الفراش، وتعوضوا مصارع أمثالهم والثرى لهم وثير الفراش.

فإن برز العدو فالمنون له بارزة، والعزائم له مناجرة، والعساكر الإسلامية إليه وعليه زاحفة حافزة. والمجلس أولى من ينتخي ويحتمي، وإلى هذا المرام من قهر الكفر يرتمي وينتمي. ويصل بجمعه اللهام الملتهم، وبجمهرة الملتهب المضطرم، وبمجره المحتد المحتدم، وبفليقه الفالق ترائك العداء، السافك السابك في نار الوغى سبائك الظبا. الحاص الحاصد بحدود الشفار سنابل الطلى. وهو لا شك ينهض ويستنهض من وراءه، ويستدعى من إذا ناداه أجابه وجاءه.

[ذكر لطف من الله في حق خفي]

كان السلطان قبل استيلاء الفرنج على عكاء بسنة؛ قد عمل ترجمة تفرد بها

القاضي ابن قريش لمكاتبته الأصحاب، ليكتب بها إليهم ويعود بها الجواب. فلم يبق المكاتبة ابتداء وجوابا بخطى، وخرج حكم عكاء في الكتابة عن شرطي. فقلت لأصحابي: ما صرف الله قلمي عن عكاء إلا وفي علمه أن الكفر إليها يعود، وأن النحوس تحلها وترحل وتحل عنها السعود.

واستعاذني الله من استعاتها، وردها إلى شقاوتها بعد سعادتها. ولقد عصم الله قلمي وكلمي، وعرف شيم مخايل الطافه من شيمي. وهذا قلم جمعت به أشتات العلوم مدة عمري، وما أجراه الله إلا بأجري. فالحمد لله الذي صانه، وعظم شانه، وما ضيع إحسانه. وهو للفقه والفتيا، ومصالح الدين في الدنيا. وما عرف إلا بعرف صرف إلا عن صرف.

وما سفارته إلا من نجح، وما إسفاره إلا عن صبح، وما تجارته إلا لربح. فهو يمين الدولة وأمنيها، ومعين الملة بل معينها. بمداده يستمد إمدادها، وبسداده للثغور سدادها. ودواته دواء المعضلات، وبعقده حل المشكلات. وبخطه حط عوادي الخطوب، وبقطه قط هوادي القطوب. وببريه برء الأمراض، وبدره در الأعراض.

وبدره انتظام عقود العقول، ولدراريه ابتسام الإقبال والقبول. وبجريه جرى الجياد للجهاد، ويسعيه سعى الأمجاد للانجاد، وبحركته سكون الدهماء، وببركته ركون الرجاء.

فما كان الله ليضيعه في صون ما لا يصونه، وعون من لا يعينه. فخفت على عكاء من وقوف قلمي عنها، وكان قد ألهمني الله فإنه صانه ولم يصنها. وشكرت الله على هذه اللطيفة، والعارفة الطريفة.

<<  <   >  >>