فابتهج السلطان بوصول الرسول، وأيقن بحصول السول. وسر سره وابر بره، وصدر بنشر الانشراح صدره، وقدر على الاتسام بالتسامي قدره. واحتفل بأسباب التلقي، والتحف بأثواب الترقي. وسأل عن الرسول المندوب؛ فقيل هو (ضياء الدين عبد الوهاب ابن سكينة، وصل بالضياء والسكينة، والأحوال الحالية المزينة.
وكان وزير الخلافة يومئذ (معز الدين بن حديدة) فعين لهذه الرسالة (ابن سكينة) حين عرف آراءه السديدة. فتلقاه - يوم دخوله إلى دمشق - السلطان وأولاده، وكان يوما مشهودا حضره أعيان البلد وأماثل العسكر وأشهاده. وأنزله في دار الكرامة، ورتب له وظائف الإقامة. ثم جلس له في يوم سعد صباحه، وبدت في جبهة الدهر البهيم غرره وأوضاحه، وملأت ظرفي الزمان والمكان أفراحه، وجاء على وفق الآمال اقتراحه، وختم باليمن والإقبال رواحه. وورد بكل ما أبهج الأولياء، وأزعج الأعداء. وخاطب السلطان عن الديوان العزيز بكل ما أعزه، وثنى عطف تباهيه وهزه. ورسا له طودا بالوقار في إيراد الرسالة، وجلا له في
مهب المهابة أنوار الجلالة. وتلفظ له بالتفضل، وتطوق منه بالتطول. وبشر بأن أمير المؤمنين فوض ولاية عهده، إلى ولده - عدة الدين - أبي نصر محمد من بعده، وأخذ بذلك العهد على من حضره من أعيان الأمة، وحفظ عليهم بتوليته ما أولاهم الله به من النعمة.
وأمر بأن بخطب له بمصر والشام وجميع بلاد الإسلام. فاستبشر بهذه الموهبة، واستظهر بما خص به من هذه المرتبة. وأمر بذكر اسمه ونقشه في الخطبة وعلى السكة، وعاد الإسلام به ظاهر الشوكة والشكة.
وخطبنا لولى العهد بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر صفر، ولم يبق من الأمراء والأماثل والأفاضل إلا من حضر، وأحضر معه الدنانير ونثر. وتولى ذلك الملك الأفضل فأظهر أبهة ملكه وبهاء فضله، وحصل الإسلام من ري رأيه على نهلة وعله.
وندب للرسالة إلى الديوان العزيز (ضياء الدين الشهرزوري، القاسم ابن يحيى) لينشر به ما كاد يعفو من سنن الموافاة