للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموت صابرون، وإلى الحمام صائرون. وبالخنادق من البوائق محتمون، وبالطوارق من الطوارق معتصمون، وعندهم أنهم للبلد محاصرون، وهم على الحقيقة وإن كانوا لكثرتهم غير محصورين محصوون، وأن جندنا لهم المنصورون.

وللعساكر الإسلامية فيهم كل يوم نكاية شديدة، وفتكة مبيدة. ووقعة ناكية، وجمرة ذاكية، وصدمة صادعة، وحدمة رادعة.

ولما امتنع الدخول عليهم؛ وتعذر الوصول إليهم؛ جمع راجل البلاد؛ وحشد إلى حشودهم ذوو الاستعداد. حتى نقاتل الراجل بالراجل، والفارس بالفارس؛ ونقترع جمعهم بكر الفتح العانس. وقد وصل الأخ العادل وفقه الله للمراضي الشريفة، بالجموع الكثيرة الكثيفة. ولعل الله أن يجعل حتف هؤلاء الفرنج فتحا لأبواب الفتح، ويعجل لليالي آمال المسلمين بطلوع صبح النجح. وليس هذا العدو بواحد فينجع فيه التدبير، ويأتي عليه التدمير. وإنما هو كل من وراءالبحر، وجميع من في ديار الكفر. فإنه لم يبق لهم مدينة؛ ولا بلدة ولا جزيرة؛ ولا خطة صغيرة ولا كبيرة؛ إلا جهزت مراكبها، وأنهضت كتائبها. وتحرك ساكنها، وبرز كامنها، ونفضت خزائنها، وانفضت معادنها، وحملت ذخائرها، وبذلت أخايرها. وثار

ثائرها، وسار سائرها، وطار طائرها. ونثلت كنائن كنائسها، واستخرجت دفائن نفائسها.

وخرج بصلبانها أساقفتها وبطاركها، وغصت بالأفواج فجاجها ومسالكها. وتصلبت للصليب السليب، وتغضبت للمصاب المصيب. ونادوا في نواديهم بأن البلاء دهم بلادهم، وأن إخوانهم بالقدس أبارهم الإسلام وأبادهم. وأنه من خرج من بيته مهاجرا؛ وبحرب الإسلام مجاهرا؛ ولتعبده مستردا؛ ولجده في النخوة لدينه مستجدا، فقد وهبت له ذنوله، وذهبت عنه عيوبه.

ومن عجز عن السفر بعدته وثروته من قدر. وبذل البدر لمن بدر. فجاءوا لابسين للحديد بعد أن كانوا لابسين للحداد؛ وتواصلت منهم الأمداد بالإمداد، وتوالت أنجاد الانجاد. وهم على النقص يزيدون، وعلى الأبد يبيدون، وبالمهج يجودون، وعن اللجاج في خوض اللجج لا يعودون.

وهؤلاء هم الواصلون في البحر القاطعون اثباجه، المكاثرون أمواجه. فأما ملوكهم الواصلون في البر فقد تواترت أخبارهم، بأن خلت منهم ديارهم؛ ورمتهم إلى أغراضهم البعيدة أوتارهم. وبهم يستفحل الشر، وبعضل الأمر. ويصول الكفر ويجول؛ ويتطاول الشرك ولكنه لا يطول. فإن لدين الله من خليفته ناصرا لا يسلمه، ورازقا لا يحرمه. وما تمسك بحبل طاعنه الا من فاز قدحه وحاز السناء قدحه، وأسفر صبحه، ووفر نجحه. وبدا علوه، وباد عدوه. والخادم بقوة رجائه في العوارف الامامية؛ والعواطف النبوية؛ وشدة استظهاره بالنصرة الظاهرة الناصرية، آن أن يفرق الجمعين ويجمع للفريقين القمعين. ويعيد البر بحرا من دماء وافدي البر والبحر، ويقطع دابرهم دابر الكفر.

<<  <   >  >>