وتقبل على الوفاق ثم تعرض فقال الترجمان عنه يقول قد جرت بذلك عادة الملوك، وما سلكت غير السنن المسلوك.
وكان الملك يلهث ظميا، ويميل من سكرة الرعب منتشيا. فآنسة السلطان وحاوره، وفثأ سورة الوجل الذي ساوره. وسكن رعبه، وأمن قلبه، وأتى بماء مثلوج أزال لهثة، وازاح من العطش ما كرثه. وناوله الابرنس ليخمد أيضا لهبه، فأخذه من يده وشربه. فقال السلطان للملك لم تأخذ مني في سقيه إذنا، فلا يوجب ذلك له مني أمنا، ثم ركب وخلاهما، وبنار الوهل أصلاهما. ولم ينزل إلى أن ضرب سرادقه، وركزت أعلامه وبيارقه، وعادت عن الحومة إلى الحمى فيالقه.
فلما دخل سرادقه، استحضر الابرنس فقام إليه وتلقاه بالسيف فحل عاتقه. وحين صرع أمر برأسه فقطع، وجر برجله قدام الملك حين أخرج فارتاع وانزعج. فعرف السلطان إنه خامره الفزع، وساوره الهلع، وسامره الجزع. واستدناه وأمنه وطمنه، ومكنه من قربه وسكنه. وقال له ذاك رداءته أردته، وغدرته كما تراه غادرته. وقد هلك بغيه وبغيه، ونبا زند حياته ووردها عن وريه وريه.
وصحت هذه الكسرة؛ وتمت هذه النصرة؛ يوم السبت. وضربت ذلة أهل السبت على أهل الأحد، وكانوا اسودا فعادوا من النقد. فما افلت من تلك الآلاف إلا آحاد، وما نجا من أولئك الأعداء إلا أعداد. وامتلأ الملأ بالأسرى والقتلى، وانجلى الغبار عنهم بالنصر الذي تجلى. وقيدت الاسارى بالحبال واجفة القلوب، وفرشت القتلى في الوهاد والجبال واجبة الجنوب.
وحطت حطين تلك الجيف على متنها، وطاب نشر النصر بنتنها. وعبرت بها