للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل واحد منهم للقبط قطب، وفي الخبط خطب. وللشر شرك، وفي الحس حسك. وللمشرك مشارك، وللدين تارك فارك.

ولهم أخلاق أخلاق، وطباع بالطبع إغلاق. تأوي للبخل والتبخيل إلى التأويل، وتقلي لتكثير السوء في الخير سوى التقليل، وهم جالبون للغي، طالبون للبغي، كاسبون للذم، مناسبون للضم. والمسلم فيهم متولي الخزانة، يرى الشح بما يجود به السلطان من الأمانة. وأصنعهم في الكفاية عندهم امنعهم للاطلاق، وأعذقهم بالحذق أقذعهم، وأعقدهم للحق أقدعهم. وأجودهم ارداهم، وأضلهم أهداهم. وهم متفقون فيما بينهم على الخيانة، مختلفون في الظاهر لإبداء الصيانة.

وكان يحضر هؤلاء البطالين واستخدامهم، ويوحشونهم بخطابهم وينفرونهم بكلامهم. ويقابلونهم بالجبة، ويعاملونهم بالنجه. ويواجهونهم بالسوء ويسوءونهم

في الوجه. ويشتطون في طلب الضمان. ويشترطون ما ليس في الإمكان ويطردونهم بقبيح الزجرة، ويكسونهم في صحيح الأجرة.

والسلطان يجود جود السحاب، ويأمر بالعطاء الحساب، ويجد حث النواب، ويجد في بعث الأصحاب، ويقول: أنفقوا ولا تخشوا إقلالا، وانهضوا الرجال خفاقا وثقالا، ولا تؤخروا شغل اليوم إلى غد إمهالا أو إهمالا. ولا تقدموا على هذا الفرض فرضا ولا نفلا، ولا تعتقدوا أن لنا أهم من هذا الشغل شغلا. ونواب الديوان على عادة جهالتهم، وعادية ضلالتهم. فما قبل العطاء غير مضطر فقير، وما دخل الثغر الا قليل من كثير. وما صح من البدل إلا بعضه، وما قضى حق الواجب المتعين فرضه. وكان هذا من أقوى أسباب الضعف، وأوفق دلائل الخلف.

وسيأتي ذكر ذلك في موضعه في سنة سبع، فإنه عاد كل ما دبر بضرر على الثغر لا بنفع.

وأقام الملك العادل على البحر لإزاحة علل الداخلين، وإراحة قلوب الواصلين. حتى عاد الفرنج بمراكبهم، وانقطع بوصولهم الطريق من جانبهم. واقتنع البلد بمن إليه تحول، وعلى حفظه من الله بعصمته عول.

وبتاريخ يوم الاثنين ثاني ذي الحجة، صلت من مصر بالغلة بطس سبع. وكان لها للحاجة إليها وقع، وقيل قد تم بها للجائعين شبع. وانقلب أهل البلد إلى البحر لمشاهدتها، ومعاونة جماعتها ومساعدتها. ونقل ما فيها من بضائع وحوائج، وسلع روائج. ومأكول ومطعوم، ومشروب ومشموم. فقد طال بذلك كله عهدهم، وانتهى إلى الغاية جهدهم.

فلما تسامعوا بالبطس؛ تسارعوا إلى الملتمس. فعلم الفرنج بانقلاب أهل الثغر إلى جانب البحر فزحفوا زحفا شديدا، وحملوا جندلا وحديدا. وأتوا بسلالم لينصبوها

على الأسوار، وصارت عكاء وهم حولها كالمعصم في السوار. وترقوا في سلم واحد متزاحمين، وللضيق متصادمين. فاندق بهم السلم المنصوب.

<<  <   >  >>