للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأسر التجار وأخذ المال وحيزت تلك المراكب وجذبت إلى الساحل، فإذا هي مشحونة الكرائم الجلائل. من كل آنية مطبوعة ذهبية، وحلية مصوغة نضارية، وآلة فضية، وأباريق وأكواب وأقداح، وأطباق وموائد وسبائك وصفاح، وكاسات وطاسات، ومرافع وشربات. فوفر السلطان عليهم هذه الاكساب، ولم يحرمهم حيث حرموا لكفرهم الثواب. وأظهروا لهذه النهضة أنهم مناصحون، وليمين الإيمان مصافحون.

فلما أكرموا بتلك المكرمة؛ أثنوا على اليد المنعمة. وأسلم منهم شطرهم، وحسن بيننا ذكرهم. وببركات الكرم السلطاني كرموا، وأنسوا وأسلموا وكانوا قد أحضروا برسم الهدية مائدة فضة عظيمة وعليها مكبة عالية، ولها قيمة غالية. ومعها طبق يماثلها في الوزن، ويتعذر وجود ذلك للملوك في الحزن. ولو وزنت تلك الفضيات قاربت قنطارا، فما أعادها السلطان طرفه احتقارا. وقال لهم: خذوها فأنتم بها

أولى. وكان أول من أسدى هذا المعروف وأولى.

وكنت عنده جالسا، وبلطفه مستأنسا، فقلت له: ما أظن في الوجود ملكا يسمح بمثل هذا المال، خصوصا وقد أغنمه الله من الحلال. فتبسم لقولي غير معجب به، وما قضيت العجب مما قضاه كرمه من أربه.

وفي الرابع والعشرين من ذي الحجة أخذ من الفرنج بروكوسان فيهما نيف وخمسون نفرا، فجلا لنا نصرا، وعلا نجحا وحلا ظفرا.

وفي الخامس والعشرين منه أخذ أيضا بركوس، فيه من الفرنج مقدمون ورءوس. وهم وعشرون؛ منهم أربعة خيالة، ضمتهم من الأسر حبالة ومعهم ملوطة؛ مكللة باللؤلؤ منطوطة، وبأزرار الجوهر مربوطة. قيل أنها من ثياب ملك الألمان، وأسر فيه رجل كبير قيل إنه ابن اخته؛ وهو كبير الشان.

وفي هذا الشهر قدوم القاضي الأجل الفاضل، رب الفضائل والفواضل من مصر؛ فأشرقت المطالع، وأشرفت الصنائع. وبشرت المطالب بنجاحه، وغزرت المواهب بسماحه. وغابت بحضور مكارمه المكاره، ونزع بلبسه أفضاله لباس الخمول ذوي الفضل النابه، وأعاد روح السلطان بإعادة الروح إلى سلطانه، وسر بمكانه، واقترن لحسانه بإحسانه. وظهرت في وجهه به الطلاقة، وفي قلبه العلاقة، وروى رأيه برى رايه، وتلقن آيات النصر من نص آية.

وانتعش عثارى بمقدمه، وانتقش خط فخارى بكرمه. وحلى عطلى، وحيا أملى، وقوى عملي. ووضح منهاج مناي، وصح مزاج غناي. ونبه قدري، ونوه بذكري. وسعى في رفع رتبتي وزيادة راتبي، وسن غربي. اقرني وقربني، واستكتب الخطوط بالحظوظ كما كان استكبني. فعشت ونعشت، وفرشت بساط الغنى فرشت. ولولا أنني قويت به لأقويت، ولولا إنه أولاني عارفته لما عرفت ولا توليت، فأنا شاكر نعمه عمري، وعامر كرمه بشكري.

<<  <   >  >>