والحاملين الجبال على الرياح، والمتعطشين إلى انتجاع النجيع لإرواء الأرواح. ومكث السلطان على انتظاره، متوجسا لأخباره. مستوحشا من إبطائه، متعطشا إلى أنبائه، منتظرا لوفائه. فلما لأخذ الفرنج عكاء نسب ذلك إليه، واحتسب الله عليه.
فأما تقي الدين فإنه عن له أن يمضي إلى ميافارقين؛ واستصحب إليها عسكر ماردين. ونفذ إلى السويداء وانتزعها من أيدي أصحابها، واستحوذ على جميع ما بها. وحاصر مدينة حاني فتملكها، وكانت له مقاصد في ديار بكر فأدركها. واقتطع بلادا من ولاية ابن قرا ارسلان وأقطعها، وأرعب القلوب بما ابتدأ به وابتدعه وروعها. وتأخرت عنا بسبب ذلك عساكر ديار بكر، وحصلت منه على عذر وذعر. وراعت هيبته، وهبت روعته. ودبت إلى الخواطر مخافة أخطاره، وشبت في القلوب لوافح ناره. وارتجت تلك الآجام من زاره، وازورت من مزاره. وبليت تلك البلاد ببلائه، وهابت الأعداء هبة أعدائه. وزلت الأقدام لإقدامه، وانخفضت الأعلام لإعلاء أعلامه.
ونفي عدله من جبلجور جبلة الجور، وأذهب بذهابه إليها فوران الفتنة على الفور. ودخل قلب قلب، وحكم في عداتها الغلب القضب. وقصد عسكره عسكر بكتمر فكسره، ثم سرح بإحسان وأطلق من أسره، فغار بكتمر واشتعل بنار الأنف لأنفه، واعتلق بأذن الشنف شنفه، وانتخت حميته، وحميت تخوته، وغيرته غيرته، وعيرته رعيته، وأودعته الهم همته، وحركته عزمته فاجتمعت جماعته وأمته أمته. وما أرجأ له نجح رجائه رجاله، وما أبطأ له عن إعانته أبطاله. وأجناه ثمر الطاعة أجناده، وانجاه بجهد الاستطاعة انجاده. وجر عسكرا مجرا، وساق إلى الحرب بحرا، وأوقد بالجمع جمرا، وجلب بيضا وسمرا، ودهما وشقرا، وصوارم بترا، وصواهل ضمرا.