فما فيهم إلا من خطب الرتبة، ورتب الخطبة، وأنشأ معنى شائقا، ووشى لفظا رائقا، وسوى كلاما بالموضع لائقا، وروى مبتكرا من البلاغة فائقا. ومفيهم من عرض على خطبته، وطلب منى نصبته. وتمنى أن ترجح فضيلته، وتنجح وسيلته، وتسبق منيته فيها أمنيته. وكلهم طال إلى الالتهاء بها عنقه، وسال من الالتهاب عليها عرقه. وما منهم إلا من يتأهب ويترقب، ويتوسل ويتقرب. وفيهم من يتعرض ويتضرع، ويتشوف ويتشفع. وكل قد لبس وقاره ووقر لباسه، وضرب في أخماسه أسداسه، ورفع لهذه الرياسة رأسه. والسلطان لا يعين ولا يبين، ولا يخص ولا ينص.
ومنهم من يقول ليتني خطبت في الجمعة الأولى، وفزت باليد الطولى. وإذا ظفرت بطالع سعدى؛ فما أبالي بمن يخطب بعدي.
فلما دخل يوم الجمعة رابه شعبان؛ أصبح الناس يسألون في تعيين الخطيب السلطان. وامتلأ الجامع، واحتفلت المجامع، وتوجست الأبصار والمسامع، وفاضت لرقة القلوب المدامع، وراعت لحلية تلك الحالة وبهاء تلك البهجة الروائع، وشاعت من سر السرور بلبس حبر الحبور الشوائع، وغصت بالسابقين اليها