للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا زلنا نسمعُ ونشاهدُ، وتأتينا الأخبارُ من الشام بما يصنعُه الباطنيونَ - عليهم من الله ما يستحقون - مع الشعوبِ المسلمةِ، وآخرُها ما حصلَ من الضرب بالكيماوي القاتل؛ على الشيوخِ والرجالِ والنساءِ والأطفالِ في دوما، فما سرُّ هذه العداوةِ الصفويةِ الباطنيةِ على المسلمين؟

نعم .. لماّ دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا لَمْ يَهُنْ ذَلِكَ عَلَى الْفُرْسِ وَالرُّومِ؛ وَقَدْ هَوَتْ مَمَالِكُهُمْ، وَسَقَطَ قَادَتُهُمْ وَفُرْسَانُهُمْ صَرْعَى تَحْتَ أَقْدَامِ الصَّحَابَةِ -رضي الله عنهم-.

يَقُولُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيُّ:

"وَالْأَصْلُ فِي أَكْثَرِ خُرُوجِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ عَنْ دِيَانَةِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْفُرْسَ كَانُوا مِنْ سَعَةِ المُلْكِ وَعُلُوِّ الْيَدِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَمِ ... حَتَّى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمُ الْأَحْرَارَ وَالْأَبْنَاءَ، وَكَانُوا يَعُدُّونَ سَائِرَ النَّاسِ عَبِيدًا لَهُمْ، فَلَمَّا امْتُحِنُوا بِزَوَالِ الدَّوْلَةِ عَنْهُمْ عَلَى أَيْدِي الْعَرَبِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ أَقَلَّ الْأُمَمِ عِنْدَ الْفُرْسِ خَطَرًا؛ تَعَاظَمَهُمُ الْأَمْرُ، وَتَضَاعَفَتْ لَدَيْهِمُ المُصِيبَةُ، وَرَامُوا كَيْدَ الْإِسْلَامِ بِالمُحَارَبَةِ فِي أَوْقَاتٍ شَتَّى، فَفِي كُلِّ ذَلِكَ يُظْهِرُ اللهُ -سبحانه وتعالى- الْحَقَّ» (١).

انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ ابْنِ حَزْمٍ، وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُجْزِلَ مَثُوبَتَهُ، إِذْ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ فَارِسِيُّ الْأَصْلِ، وإن كان ممن سكن الأندلس، تَجَرُّدًا لِلْحَقِّ، وَوَلَاءً لِلْإِسْلَامِ وَلَوْ عَلَى حِسَابِ عِرْقِهِ وَبَنِي جِنْسِهِ.


(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل لا بن حزم (٢/ ١١٥).

<<  <   >  >>