بَعْدَهُ مَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ السُّنَّةِ، فَظَهَرَ أَحْمَدُ، وَعَلَتْ إِمَامَتُهُ، وَكَانَتْ تُضْرَبُ إِلَيْهِ آبَاطُ الْإِبِلِ، فَكَانَ يَعْرِفُ لِي حَقَّ صَبْرِي، فَكُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ حَلْقَتَهُ فَسَحَ لِي، وَيَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ قِصَّتِي مَعَهُ، فَكَانَ يُنَاوِلُنِي الْحَدِيثَ مُنَاوَلَةً وَيَقْرَؤُهُ عَلَيَّ وَأَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ (١).
ومن عجيبِ تَقواه ما قَالَه عنه الإمامُ الذهبيُّ: قَدْ ظَهَرَتْ لَهُ إِجَابَاتُ الدَّعْوَةِ فِي غَيْرِ مَا شَيْءٍ. قال: وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى بَقِيٍّ، فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنِي فِي الْأَسْرِ، وَلَا حِيلَةَ لِي، فَلَوْ أَشَرْتَ إِلَى مَنْ يَفْدِيهِ، فَإِنَّنِي وَالِهَةٌ. قَالَ: نَعَمْ، انْصَرِفِي حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ. ثُمَّ أَطْرَقَ، وَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ بِابْنِهَا، فَقَالَ: كُنْتُ فِي يَدِ مَلِكٍ، فَبَيْنًا أَنَا فِي الْعَمَلِ، سَقَطَ قَيْدِي، قَالَ: فَذَكَرَ الْيَوْمَ وَالسَّاعَةَ، فَوَافَقَ وَقْتَ دُعَاءِ الشَّيْخِ. قَالَ: فَصَاحَ عَلَى الْمَرْسَمِ بِنَا، ثُمَّ نَظَرَ وَتَحَيَّرَ، ثُمَّ أَحْضَرَ الْحَدَّادَ وَقَيَّدَنِي، فَلَمَّا فَرَّغَهُ وَمَشَيْتُ سَقَطَ الْقَيْدُ، فَبُهِتُوا، وَدَعَوْا رُهْبَانَهُمْ، فَقَالُوا: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: وَافَقَ دُعَاءَهَا الْإِجَابَةُ إلى أن قال: ثُمَّ قَالُوا: قَدْ أَطْلَقَكَ اللَّهُ، فَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُقَيِّدَكَ. فَزَوَّدُونِي، وَبَعَثُوا بِي ..
وقد ابتلي عندَ السلطانِ في وقتِه، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ الْفَرَضِيِّ فِي " تَارِيخِهِ ": مَلَأَ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسَ حَدِيثًا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْأَنْدَلُسِيُّونَ: أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَبُو زَيْدٍ، مَا أَدْخَلَهُ مِنْ كُتُبِ الِاخْتِلَافِ، وَغَرَائِبِ الْحَدِيثِ، فَأَغْرَوْا بِهِ السُّلْطَانَ وَأَخَافُوهُ بِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَظْهَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَعَصَمَهُ مِنْهُمْ،
(١) هذه القصة أنكرها الإمام الذهبي تعالى، وقد بحث الدكتور أحمد ضياء العمري صحتها في كتابه بقي بن مخلد (ص ٣٩ وص ٤٠) وانتهى إلى صحة وقوعها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute