للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد سُنّيات اتصل يبكي يقول: ماتت والدتي في مكة وأنا ذاهب الآن وأريد أن آخذ لها عمره من أين أحرم؟ وأن أفعل لها وأفعل .. وسوف يصلون عليها في الحرم وأريد كذا وكذا .. ، شعرت وهو يحدثني بكمية الأسى والحزن وكأنّه يقول ليتني كنت بها باراً يوم كانت مريضةً تحتاجني! ! ليتني لم أعاتبها يوماً! ! ليتني وليتني! !

ثم تكرر المشهد مع آخر من نوع آخر ..

في المقبرة يقفز على قبر أبيه يثير غباراً، يحاول بناء اللبن يلتقط أنفاسه يتنهد، يصرخ صارخٌ بجانبه كبير بالسن يا فلان: لقد كان لديك فسحةً لبر والدك عندما كان على قيد الحياة مريضاً يتمنى أنّك تخدمه! ! يتمتم ودموعه على خدّيه تتساقط على بياض عوارضه، كأنّي به يقول: لا تزد حسرتي والله إني نادم أشدّ الندم! !

البر لا ينتهي بالموت نعم! ! فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: «نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا» رواه أبوداود (١).

لكن قد يعاقب الإنسان على ترك بر والديه أو أحدهما بالحياة! والعكس صحيح.


(١) ضعيف؛ ضعفه الألباني في "ضعيف الترغيب" (١٤٨٢)، أخرجه أبو داود (٥١٤٢)، وغيره.

<<  <   >  >>