للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أن يدخل مكة من الثنية العليا:

أي أن يدخل مكة من أعلاها، من الطريق المؤدي إلى الحَجون ــ مقابر مكة ـ ذلك أن مكة كلها جبال، والحرم في وادٍ تطل عليه الجبال من كل صوب، وقد جاء في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى (١)، وفي رواية أُخرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة من كَدَاء في الثنية العليا التي بالبطحاء (٢)، ويخرج من الثنية السفلى (٣). والثنية كما في (القاموس المحيط) هي الجبل أو الطريق فيه أو إليه، أمّا كَدَاء فهي اسم جبل بأعلى مكة، وهي المراد من الثنية العليا، ومنها نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المعلاة مقبرة أهل مكة، وقد كانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك بن مروان ثم المهدي ثم سهلت في عام ٨٢٠ هـ (٤)، أما الثنية السفلى فهي كُدَاً ـ بالضم والقصر والتنوين ـ عند باب الشُبَيكة (٥)،

وهنا تكمن الحكمة، فالذي يدخل من كَدَاء (الثنية) فإنه يستقبل البلدة الحرام وكعبتها، بينما يستدبر الذي يدخل من كُدَا المسجد الحرام والبيت (٦)، ويقول علماء آخرون: إنّ حكمة الدخول من الثنية العليا والخروج من الثنية


(١) صحيح البخاري برقم (١٥٧٥).
(٢) البطحاء: المسيل الواسع فيه صغار الحصى. اُنظر "الهدية المرضية بشرح وأدلة المقدمة الحضرمية" تأليف أُستاذنا الدكتور مصطفى ديب البغا حفظه الله ص ٥٩٢.
(٣) صحيح البخاري برقم (١٥٧٦).
(٤) "سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام" للشيخ الإمام محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني ج ٢ ص ٧٣٧. أقول: والمَعْلاة بفتح الميم الرفعة والشرف كذا في اللغة.
(٥) المرجع المذكور في الجزء والصفحة، والحاشية لابن حجر الهيتمي على مناسك الحج للإمام النووي ص ٢١٦ وللفائدة ومنعاً للخلط فإنّ كُدَيَ التي نخرج إليها من الطريق الممتد من باب أجياد ليست في شيء من طريق الدخول والخروج من مكة، بل هي موضع ثالث بالضم والتصغير تَمَّ سحب ماء زمزم إليه اليوم ومنه يُحمل. وسابقاً كانوا من هناك يخرجون إلى اليمن. اُنظر فتح الباري ج ٣ ص ٥٥٣ ..
(٦) المصدر المذكور في الجزء والصفحة. ونلاحظ هنا أن كُدَاً يجوز فيها التنوين مراعاة للمكان كما يجوز فيها المنع من الصرف (كُدَا) مراعاة للبقعة.

<<  <   >  >>