قال جابر:"وما عمل به من شيءٍ عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد لبيك اللهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وأهلَّ الناسُ بهذا الذي يُهلُّون به، فلم يَرُدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم شيئاً منه، ولَزِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلبيته":
المسلم يتقرَّبُ إلى ربه جلَّ وعلا باتباع من تجب متابعته في الأقوال والأفعال، لذلك قال جابر:"وما عمل به ـ أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ من شيءٍ عملناه"، وفي هذا توكيدٌ لما توسعت في الحديث عنه في الفقرة السابقة من أنَّ غاية ما نقوم به نحن المسلمين هو الوثوق بكمال رسالة الإسلام، وتمام عقيدة الإيمان، ورقي الحضارة المنبثقة عن هذا الدين، فلا ابتداعٌ في انتسابٍ أو ممارسةٍ أو تجديدٍ وإنّما اتّباعٌ تثمره شجرة الحب والاقتناع، فما عمل به نبيُّنا صلوات الله وسلامه عليه عملناه، وتمسكنا بأهدابه، ومن ذلك الإهلال الذي هو رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام، مشتق في اللغة من رفع الصوت، ومنه قولهم: استهلّ المولود إذا صاح، ومنه قوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}[البقرة: ١٧٣]، أي رفع الصوت عند ذبحه بغير ذكر الله تعالى، ولذلك سُمّي الهلالُ هلالاً لرفعهم الصوت عند رؤيته (١)، والذي أهلَّ به الصحابة الكرام تلك العبارة المشهورة في الحج:"لبيك"، وهي صيغة مبالغة في تلبية أوامِر الله عزّ
(١) صحيح مسلم بشرح النووي، باب التلبية وصفتها ج ٨ ص ٢٦٥.