للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجل أي نستجيب لك يا رب إجابةً بعد إجابة، واللفظ وإنْ كان أكثر الناس على أنه اسم مثنى على ما قاله سيبويه، بدليل قلْب ألفه ياء مع المظهر، إلّا أنها تثنية غير حقيقية، بمنزلة قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤] أي نعمتاه، والمراد نعم الله، فهذا للمبالغة والتكثير ومن الأمثلة عليه: حنانَيْك أي تحنُّناً بعد تحنن، فاستثقلوا ثلاث نونات وفي لبيك استثقلوا ثلاث باءات؛ لأن الأصل: لبّبتك، فأبدلوا من الثالثة ياء (١).

والإهلال بالتلبية تجسيد لما تقوم عليه ثقافةُ المؤمن من العقيدة المستندة إلى إفراد الله تعالى بالربوبية والخضوع له بالعبودية، وهو ما دفع راوي الحديث إلى القول: "فأهلَّ بالتوحيد"؛ لأنَّ التلبية له عنوان، بدليل أن الصحب الكرام لم يُهلُّوْا بما كانت عليه العرب في جاهليتها تهلُّ به في الطواف وهو قولهم: "لبيك لا شريك لك، إلّا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك"، وهو ما كان يدعو رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغضب فيزجر مَن يتفوّه به بقوله: "ويلكم قدٍ قدٍ" كما في رواية أُخرى لمسلم (٢).

والتوحيد يعد الأساس المتين الذي يقوم عليه البنيان الإسلامي كله، فما يعلوه من أدوار العبادات والمعاملات يعد منبثقاً عنه، وثمرة له.

والتوحيد هو المرآة التي تعكس عقيدة المؤمن، ورؤيته للوجود من حوله ماضيه وحاضره ومستقبله، ماديّاته ومعنوياته التي تجسدها منظومة القيم والأفكار.

والتوحيد هو الخط الفاصل بين الكفر والإيمان، لذلك اعتنى كتاب ربنا به، فجاءت


(١) صحيح مسلم بشرح النووي، باب التلبية وصفتها ج ٨ ص ٢٦٣ وما بعدها.
(٢) صحيح مسلم برقم (١١٨٥/ ٢٢).

<<  <   >  >>