للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام النووي في شرحه على هذا الحديث:

"فيه دليل على استحباب استلام الحجر الأسود، وأنه إذا عجز عن استلامه بيده بأن كان راكباً أو غيره استلمه بعصا ونحوها، ثم قبَّل ما استلم به، وهذا مذهبنا (١) ".


(١) قوله: "هذا مذهبنا": هو مذهب السادة الحنفية أيضاً، أما السادة الحنبلية فقد اتفقوا مع المذهبين المذكورين في الإشارة إلى الحجر الأسود عند العجز عن استلامه باليد أو بنحو محجن، لكنهم لم يقولوا بتقبيل ما أشار به إليه إن لم يمسَّ الحجر به، وعللّوا قولهم بعدم ورود ذلك. كما ذهب الحنفية والحنبيلة إلى أنّ استقبال الحجر مطلقاً، مع نية الطواف ـ وهو شرط عندهم ـ تكفي في تحقيق المقصود الذي هو الابتداء من الحجر، أقول: ويستدلُّ لمذهبي الشافعية والحنفية في تقبيل ما أشار به إلى الحجر من يدٍ ونحوها بخبر الشيخين [البخاري (٦٨٥٨) ومسلم (١٣٣٧): "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وبالقياس حيث ذهب بعض العلماء إلى أن الإشارة بمنزلة وضع الكف، فيتفرع التقبيل في البدل على وفق الأصل في المبدل منه، وفي النظر والبحث يتبين لي أنّ الاختلاف في تقبيل يده إذا أشار بها إلى الحجر ليس بين أئمة المذاهب الفقهية فقط، وإنما بين فقهاء المذهب الواحد كذلك، والسبب عدم ورود نص صحيح في هذه المسألة، لذلك قال الإمام ابن حجر الهيتمي في حاشيته على شرح الإيضاح ص ٢٦٦: "إنّ تقبيل ما أشار به للحجر خالف فيه كثير من الشافعية بخلاف نفس الإشارة"، وأما السادة المالكية فقد ذهبوا إلى أن الطائف عند عجزه عن الاستلام لا يشير إلى الحجر الأسود، ولا يقبله، كما لا يشير إذا لم يمسَّ الحجر بفمه، ولو مسه بيد أو بمحجن، مكتفياً عند محاذاته بالتكبير، وبوضع اليد على الفم من غير تقبيل، هذا وقد خالف القاضي جمهور مذهبه فاختار الإشارة مع التقبيل .. بقيت مسألة الهيئة في رفع اليدين عند الإشارة من بعيد إلى الحجر الأسود، فالمالكية لما ذكرناه لا رفع لليد عندهم؛ لأنه لا إشارة إلى الحجر باليدين في مذهبهم كما قلنا، أما جمهور العلماء فقالوا برفع اليد بالإشارة بها حال عدم استلام الحجر الأسود بمس أو بنحو عود أو تقبيل، تؤيدهم آثار كثيرة عن السلف الصالح من أمثال إبراهيم النخعي وطاوس وسعيد بن جبير، وخارجة بن زيد كما قالوا: إنّ الإشارة باليد هي كالاستلام باليد في الهيئة، وهو الصحيح، لكنّ بعض الشافعية خالف في هذا معتمداً القياس على الصلاة فقالوا: يرفع الطائف يديه في بداية الطواف كما يرفعها حَذْوَ منكبيه في بداية الصلاة عند تكبيرة الإحرام، وهذا ضعيف كما صرّح بذلك الإمام ابن حجر الهيتمي الذي أشار إلى أنه لم يرد فيه نقل صحيح. اُنظر في هذا الذي نقلته لك الفقه الإسلامي وأدلته لأستاذنا وهبة الزحيلي (ج ٣/ ٢٢٣)، وحاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح للنووي ص ٢٦٧، وفضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام للباحث سائد بكداش المسألة السادسة من ص ٦٧ ـ ٦٩، والمسألة العاشرة ص ٧٢ ـ ٧٣.
وانظر صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ٣٩٩.

<<  <   >  >>