للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إنّ أدلة هذا الذي سردته عليك، ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لم أرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم غير الركنين اليمانيين" (١).


(١) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه برقم (١٢٦٩/ ٢٤٧) والركنان اليمانيان هما ركن الحجر الأسود، والركن الذي قبله، ويعرف باليماني، واليمانيان بتخفيف الياء هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة، والأصل في النسبة يمني، وإنما قالوا يمانيان وأضافوا الياء عوضاً عن إحدى ياءي النسب، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض لذلك حذفت الياء الأخرى، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما لغة أخرى بالتشديد، وعلى هذا الرأي تكون الألف في يماني زائدة، كما زيدت في صنعاني ونظرائه.

والركنان اليمانيان سُمّيا كذلك؛ لأنهما من جهة بلاد اليمن، بينما الركنان الآخران يسميان: الركنان الشاميان؛ لأنهما في جهة بلاد الشام، ويقال: اليمانيان، والشاميان تغليباً لأحدهما على الآخر، نظير قولهم: الأسودان للتمر والماء والعُمَران لأبي بكر وعمر، والقمران للشمس والقمر، والأبوان للأم والأب. وعن حكمة الاستلام والتقبيل لركن الحجر الأسود يذكر العلماء في ذلك فضيلتان اختصّ بهما: إحداهما: كونه على قواعد إبراهيم، والثانية: كون الحجر الأسود فيه، أما الركن اليماني فيذكرون فيه فضيلة واحدة هي كونه على قواعد إبراهيم، لذلك فإنه خُصّ بالاستلام فقط، أما الحكمة في افتقار الركنين الشاميين إلى الاستلام والتقبيل، فهي أنهما ليسا على قواعد إبراهيم؛ لأن النفقة الحلال قصّرت على قريش، مما اضطرها إلى إخراج جانب من البيت عن بنائه، وهو ما يعرف بحجر إسماعيل. وبهذا لم يُبنَ الركنان الشاميان على تلك القواعد التي ظلت حبيسة التراب تحت أرض حجر إسماعيل. جاء في سنن أبي داود عن سالم عن ابن عمر أنه أخبر بقول عائشة رضي الله عنهما: "إنّي لأظّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يترك استلامهما، إلّا أنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس وراء الحجر إلّا لذلك، برقم (١٨٧٥). وبهذا لم يُبْنَ الركنان من جهة حجر إسماعيل على تلك القواعد. على أيّ حال فقد جاء في صحيح البخاري باب: من لم يستلم إلّا الركنين اليمانيين برقم (١٦٠٨) منه أنًّ معاوية كان يستلم الأركان ـ أيْ كلّها ـ فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: "إنه لا يستلم هذان الركنان، فقال: ليس شيء من البيت مهجوراً. وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن". والصحيح المفتى به هو قول ابن عباس لصريح الأحاديث بذلك؛ ولأن فعل الصحابي لا يقوى على مخالفة صريح السنة. اُنظر لمتابعة ما ذكرته لك صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ٣٩٤ ـ ٣٩٥، وسبل السَّلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام للأمير الإمام محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني ٢/ ٧٢٠، وحاشية العلامة ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح ص ٢٦٤، وفضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام للباحث سائد بكداش ص ٨٧ وما بعدها.

<<  <   >  >>