للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في يوم جُمعة" (١) وفي رواية للنَّسائي: "ليلة جمعة" (٢).

وكأني بالفاروق الشهيد عمر بن الخطاب يتوجه بهذا إلى جموع الواقفين في ربا عرفات في كل عام، يذكرهم بحقيقة كمال الدين الخاتم، وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقدرته الثابتة على تحقيق الرقي والسعادة لبني الإنسان محذراً أمة الإسلام أن تصرفها الأهواء أو تتلاعب بها الأفكار الجانحة عن أداء التزامات البيعة التي أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين وأجيالهم في حجة الوداع.

وفي وجوب فرضيَّته يقول المولى جلَّ شَأنه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ! } [البقرة: ١٩٦] أي أدُّوْهما وائتوا بهما، وهو نظير قوله تعالى: {فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: ١٢٤] أي: أدَّاهنّ، وقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]، أي: أدُّوْا الصيام إلى الليل، والأمرُ بالأداء دليلُ الوجوب؛ لأنَّ مقتضى الأمرِ الوجوب. وفي هذا المعنى نزل وحيُ الباري: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَبُرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧]، فاللام في قوله تعالى {وَلِلَّهِ} للوجوب والإلزام، وهي مؤكَّدة بلفظ {عَلَى} وهذا من الأُسلوب البليغ عند العرب، بل هو من أوْكدِ ألفاظ الوجوب عندهم، فالعربيّ إذا قال لآخر: "لزيدٍ عليَّ كذا" فقد أوجبه ووكّده، وهذا يعني أن الحج مذكور في القرآن الكريم بأبلغ ألفاظ الوجوب تعظيماً


(١) أخرجه البخاري في صحيحه بالأحاديث التي تحمل الأرقام: ٤٥ - ٤٤٠٧ - ٧٢٦٨ ومسلم برقم (٣٠١٧/ ٤) والترمذي برقم ٣٠٤٣ والنسائي ج ٨ ص ١١٤ ومسند الإمام أحمد برقم (١٨٨).
(٢) السنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٢٥١ باب ما ذكر في يوم عرفة.

<<  <   >  >>