للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمّا القصر المشيد فاختصر الكلام فيه الشيخ أبو زيد، وذكر صاحب الكتاب المذكور أنّ هذا القصر بينه وبين البئر المذكورة قدر رمية قوس، وأنّ طوله على الأرض مائة ذراع وعرضه مثل ذلك وارتفاعه في الهواء مائة وعشرون ذراعا، في رأسه خمسمائة شرفة (١)، وله درج من خارجه في الجانب الغربي عددها مائة وخمسون درجة، وليس له باب، ولا يعلم أحد ممّن هو مبني، ولا يظهر فيه عمود ولا لبنة ولا جصّ ولا شيء من آلات البناء إلا لوح من الرّخام الأبيض في وسط الحائط من ناحية الشمال مما يقابل البئر مكتوب فيه بالقلم السرياني: «بنينا وشيّدنا فمن ادّعى اليوم أنّه مثلنا فليهدم ما بنينا فالهدم أسهل من البناء فلو اجتمع أهل الأرض أن يهدموا منه شيئا ما قدروا على ذلك»، وقد همّ زياد حين كان عاملا على مصر أن يمشي إلى القصر ويتعرض لهدمه فشاور معاوية رضي الله عنه فردّه عن ذلك وقال له: إنّك لن تقدر على ذلك.

ومن عجائب هذا القصر أنّه إن طلع أحد على تلك الأدراج حتى ينتهي إلى آخرها وأشرف على القصر ونظر إلى ما في جوفه صاح صيحة وترامى فيه فلا يرى أبدا.

وقد تعرّض أقوام لأن يشرفوا على هذا القصر وقدّموا واحدا منهم وربطوه بشرائط القنّب (٢) وحبسوه بها، فلما كشف على القصر صاح صيحة وهم أن يترامى فيه فجبذوه (٣) بتلك الشرائط فما زالوا يجبذونه ليردّوه حتى صاح صيحة ثانية فمات، ولا يعلم أحد ما في جوف هذا القصر.

وذكر الفلاسفة أنّ الذي في القصر هي أحجار البهت (٤) التي تجذب الإنسان إليها على البعد الكثير، انتهى.


(١) في نسخة: (ح): «شرافة».
(٢) القنّب والقنّب: ضرب من الكتان. انظر: اللسان: ١/ ٦٩١ مادة (قنب).
(٣) الجبذ: لغة في جذب، وهي لغة بني تميم. الصحاح: ٢/ ٥٦١، اللسان: ٣/ ٤٧٨ مادة (جبذ).
(٤) اللسان: ٢/ ١٣ مادة (بهت).

<<  <  ج: ص:  >  >>