للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رخام بناه لهم حمير ... إذا جاء موارّه (١) لم يرم

وكان طول هذا السدّ من المشرق إلى المغرب مسيرة ثلاثين يوما بين الجبل المسمّى بجبل (٢) عبقر، والجبل المسمّى بجبل النّعمان، وكان عرضه من الشمال إلى الجنوب مسيرة تسعة أيام، ولقد كان الرجل يخرج لزيارة أقاربه وعلى رأسه مكتل (٣) أو طبق فارغ فلا يصل إلى حيث يريد إلا والطبق قد امتلأ فاكهة مما تسقطه الرياح دون أن تمدّ يده (٤) إلى شيء من ثمرها (٥)، وكان الناس يتعاطون السّرج على جنبتي هذا الوادي كما قال تعالى: {عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ} (٦) مسيرة أربعين يوما بسبب سقي هذا الوادي المرتفع ماؤه من السّد المذكور، ومن عجائب هذا الوادي أنّه كان لا يدخله برغوث ولا نملة ولا بعوضة ولا عقرب ولا شيء من الحيوان الضار، وإذا جاء به إنسان من سفر سقط ميّتا عند أول الوادي حكاه عط (٧) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

فلما أعرضوا وكفروا بنعم الله انخرق عليهم السّد فغرّق جنّاتهم وكثيرا منهم، وقيل بل لمّا انخرق السّد يبست جنّاتهم بسبب ذلك فهلك أكثرهم، وتفرّق الباقون في الأرض، ومزّقوا كلّ ممزّق وفيهم جاء المثل السائر تفرّقوا أيدي


(١) في نسخة (ز) و (ح): «تياره»، وهو في ديوان الأعشى ص ٤٥ «ماؤهم».والمور: هو الموج والاضطراب. ترتيب القاموس المحيط: ٤/ ٢٩٦، مادة (مور).
(٢) انظر: معجم البلدان: ٤/ ٧٩.
(٣) المكتل والمكتلة: الزنبيل الذي يحمل فيه التمر أو العنب إلى الجرين، وقيل المكتل: شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعا. اللسان: ١١/ ٥٨٣ مادة (كتل).
(٤) في نسخة (ح): «يمد يده».
(٥) ذكر ذلك القرطبي في تفسيره: ١٤/ ٢٢٨، وابن كثير في البداية والنهاية: ٢/ ١٥٩.
(٦) سورة سبأ آية: ١٥.
(٧) ذكره القرطبي في تفسيره: ١٤/ ٢٨٤ عن عبد الرحمن بن زيد مختصرا. وذكره أبو حيان في تفسيره: ٧/ ٢٧٠ عن ابن زيد وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس رضي الله عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>