للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: {فَغَفَرْنا لَهُ} (١).

واعلم أنّ شيئا من ذلك لا يدلّ على قولهم، أمّا قوله: {فَتَنّاهُ} فمعناه هاهنا امتحنّاه (٢) واختبرناه صبره، وذلك أنّه عليه السلام لمّا أساء الظنّ بهم لم يعاجلهم بالعقوبة ولم ينتقم منهم مع كمال سلطنته وقوة مملكته بل صبر وغفر، فكان ذلك سببا لازدياد منصبه صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه، وأمّا قوله:

{فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} فليس في الآية ما يدلّ على أنّ الاستغفار لنفسه أو لغيره، وقد تقرّر أنّ الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام يستغفرون للمؤمنين وإذا كان كذلك احتمل استغفاره عليه السلام وجهين:

أحدهما: أن يكون المراد أنّ القوم لمّا أقدموا على ذلك الفعل المنكر لم يعاجلهم داود بالعقوبة، بل أظهر الحلم، وزاد على ذلك حيث طلب من الله أن يعفو عنهم ويغفر لهم، وهذا التأويل هو الذي يليق به أن يذكر عقبه قوله تعالى:

{يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} (٣).لأنّ من بلغت رحمته وشفقته مع الرّعيّة إلى هذا الحد كان اللائق بأرحم الراحمين تفويض الخلافة إليه، ويليق به أن يأمر محمدا صلى الله عليه وسلم عند [تأذّيه] (٤) من قومه بأن [يقتدى] (٥) به وذلك قوله في أوّل الآية (٦): {اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ} الآية.

الثاني: أنّ الاستغفار يحتمل أن يكون لنفسه، ولكنّ سببه أنّ القوم لمّا تسوّروا قصره ظنّ بهم السوء، ثمّ إنّه لمّا لم تظهر الإمارات الدالّة على أنّ ذلك الظنّ حقّ ندم داود على ذلك الظنّ، فكان الاستغفار بسبه وهذا الظنّ منه - عليه السلام - معفو عنه لكونه حكما بالظاهر والله يتولى السرائر، ولكنّ الأنبياء - عليهم


(١) سورة ص: آية: ٢٥.
(٢) أورده السيوطي في الدر المنثور: ٧/ ١٦٢ ونسبه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٣) سورة ص: آية: ٢٦.
(٤) في الأصل: «تلديه».
(٥) في الأصل: «يقتد».
(٦) سورة ص: آية: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>