للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موسى ليفيض في الحديث عن ربِّه، وهو الموضوع الرئيس الذي يتقنه موسى، ويتقنه جميع الأنبياء المرسلين، فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٣ - ٥٥].

قال موسى معرِّفاً بربه: هو الذي جعل لكم الأرض مهدًا، أي: خلقها كالمهد، وهو الفراش، وهذا كقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: ٤٨]. وجعل الله في الأرض سبلاً، أي: طرقاً يمرُّ بها الناس في أسفارهم، ويتنقلون عبرها في جنبات الأرض، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: ٣١] وربنا هو الذي أنزل المطر من السماء، فأخرج به أزواجًا من نبات كلِّ شيءٍ، والأزواج: جمع زوجٍ، وهي الأصناف المختلفة في الأشكال والمقادير والمنافع والألوان والروائح والطعوم.

وقد خلق الله هذه الأزواج ليأكل الناس من ثمارها وحبوبها ونباتها، وترعى منها أنعامهم، كما قال تعالى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَاكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ} [السجدة: ٢٧].

وأخبر موسى في عرضه لهذه الآيات، أنَّ فيها آياتٍ لأصحاب العقول: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}، وأُولو النُهى: أصحابُ العقول، وفيها تعريضٌ بفرعون أنه إن لم يهتد بها، فليس من أصحاب العقول.

<<  <   >  >>