هذه الآية، فالدول كالأفراد، تنشأ وليدةً، ثم ترتقي شيئًا فشئيًا، ثم تصبح في غاية القوة والعنفوان، ثم تتلاشى وتزول، وقد جاء الله بالإسلام، فأزال المسلمون عروش الأكاسرة والقياصرة، وامتدت الدولة الإسلامية، وانهارت عروشٌ كثيرة، وحكم الخلفاء الراشدون، ثم جاء الأمويون والعباسيون، وأخيرًا جاء العثمانيون، وزال العثمانيون، وجرت بعد ذلك خطوب وأهوال، وقدر الله ماضٍ في عباده.
وكما يصرف الله الملك في عباده، فهو وحده مصرف الأمر في كونه، {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: ٢٧].
ومن تصريف الله كونه بإرادته أنه يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، فهما من جهة متعاقبان، ومن جهة أخرى متقارضان يأخذ الليل من النهار، ثم يأخذ النهار من الليل، وقد يتعادلان.
وهو سبحانه يخرج الحيَّ من الميت، ويخرج الميت من الحي، فهو سبحانه ينزل الماء من السماء، فيحيي الأرض بعد موتها {فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[فاطر: ٩] ونحن نشاهد الماء ينزل على الحب والنوى في باطن الأرض، فتتشقَّق الأرض، وينبت الحبُّ، ويورق، ويخضرُّ ويثمر {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[الأنعام: ٩٥] وهذا النبات الحيُّ يخرج من الحبِّ الميت، وصور