{وَالْهَدْيَ} ما يُهدي للحرم من بهيمة الأنعام، وهي الإبل، والبقر، والغنم، {وَالْقَلَائِدَ} جمع قلادةٍ، والمراد بها ما كان يتقلَّده العُمَّار والحجَّاج من قلائد مصنوعةٍ من ورق الشَّجر أو غيره.
وقد جعل الله تعالى الأربعة المذكورة في الآية، وهي البيت الحرام، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد، قياماً للناس، أي جعلها مصالح تقيمُ لهم أمورهم الدينية والدنيوية في الجزيرة العربية منذ عهد إبراهيم عليه السَّلام حتى مجيء رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، فأبقى الأمر على ما كان مشروعًا من عهد إبراهيم. ووجه كونها قيامًا للناس أنَّ العرب في الجزيرة العربية لم يكن لديها ملكٌ أو حاكمٌ يحجز قويَّهم عن ضعيفهم، ومسيئهم عن محسنهم، وظالمهم عن مظلومهم، فصيَّر الله الكعبة، والشهر الحرام، والهدي والقلائد بمثابة الحاكم أو الملك الذي يطيعه الناس، ويلتزمون بأمره، فالعرب في جاهليتها كانت تعظِّم الحرم، ومن ذلك أنَّ الرجل كان يلقى قاتل أبيه في الحرم، فلا يهيِّجه، ولا يؤذيه، قال الطبريُّ بعد أن نقل كلام أهل العلم في تفسير الآية الكريمة:«وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائليها وألفاظها، فإنَّ معانيها آيلة إلى ما قلنا في ذلك من أنَّ القوام للشيء هو الذي به صلاحه، كما الملك الأعظم قوام رعيته ومن في سلطانه، لأنه مدبِّر أمرهم وحاجز ظالمهم عن مظلومهم، والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم.
وكذلك كانت الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية، وهي في الإسلام لأهله معالم حجهم ومناسكهم ومتوجَّهِهِم لصلاتهم وقبلتهم التي باستقبالها يتم فرضهم».