بعد أن أخبرنا تبارك وتعالى بأنَّه وحده الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، أتبع ذلك بإخبارنا بالأصل الذي منه خلقنا، فالله خلقنا بخلق أبينا آدم عليه السَّلام من طينٍ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ}[الأنعام: ٢].
وقد أخبرنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه عنه أبو موسى الأشعريُّ قال:«إنَّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسَّهل، والحزن، والخبيث، والطيب»[صحيح سنن الترمذي: ٢٣٥٥. وأخرجه الألباني في المشكاة: ١٠٠، وسلسلة الصحيحة: ١٦٣٠].
وإذا علمنا أنَّ الله خلقنا من طينٍ، فإنَّه يجب علينا أن نعبد الله ونوحده ونثني عليه، ونمجِّده سبحانه على ما أنعم به علينا في خلقه السموات والأرض، وخلقنا من طينٍ، وقوله تعالى:{ثُمَّ قَضَى أَجلَّا وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ}[الأنعام: ٢] فالأجلُ الأول يتحقق بموت الواحد منا في الحياة الدنيا، أو يكون بموت الجميع عندما تقوم السَّاعة، والأجلُ الثاني يتحقق بالبعث والنشور، وقيام النَّاس لله ربِّ العالمين.
وقوله:{وَأَجلَّ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أي: مخفيٌّ عنده، لا يطلع عليه نبيًا مرسلًا، ولا ملكاً مُقرَّباً، فإنَّ الله تعالى قال في السَّاعة:{إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجلَّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}[الأعراف: ١٨٧] وقال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا}[النازعات: ٤٢ - ٤٤].