كان رحمه الله تعالى من العلماء النجباء الأذكياء، الأدباء الأتقياء، جامعا لأنواع العلوم من تفسير وحديث وفقه وأصول ونحو ولغة. وكان عارفا بعلم أصول الدين متفننا، حصل العلوم كلها كلاما وحديثا وأصولا وفروعا ونحوا وأدبا، وهو صغير السن، سليل الفقهاء ونتيجة العلماء بيته بيت علم وجلاله، أبوه وعمه وجده علماء فقهاء رحمهم الله تعالى، فهو فقيه ابن فقيه ابن فقيه ثلاثة في نسق، مكث العلم في بيته نحو تسعين سنة من نشأة جده الفقيه أبي بكر إلى وفاته هو، رحمهم الله تعالى. وكان رحمه الله تعالى جيد النظر حسن الفهم ثاقب الذهن ذا جد واجتهاد في العلم. أفنى فيه عمره، كثير المطالعة، ربما كان يطالع آخر النهار، فإذا نزلت ظلمة الليل طلع إلى سطح الغرفة فيصلي المغرب، فإذا اشتملت الظلمة نزل وأوقد النار وطالع على ضوئها. ورأيت له كلاما كتبه على الخصائص الكبرى للسيوطي في السدس الأخير من الليل، قل أن ترى كتابا في ولاته إلا رأيت أثره فيه، حتى كأنه لما عجز في مرض وفاته عن إمساك الكتاب تمسكه له زوجته ينظر فيه، فإذا أكمل وجه الورقة قلبتها له فينظر في الوجه الآخر منها.
ألف عقيدة منظومة في علم أصول الدين تزيد على ثلاثمائة بيت، وهو ابن واحد وعشرين سنة. وشرح عقيدة الفقيه محمد بن أبي بكر بن الهاشمي شرحا مفيدا سماه المنن الإلهية على العقيدة الغلاوية. وله فتاوي يجيب فيها أحسن جواب. والله تعالى أعلم. وله شعر متوسط، ومن نظمه في الحكم رحمه الله تعالى:
من احتاج للمخلوق لانت قناته ... لديه وأسقاه كؤوس مهانة
ولله سرّ في احتياج عبيده ... إليه مصون في أعزّ صيانة
مولده رحمه الله تعالى في السابع بعد المائة والألف، وتوفي رحمه