وبالفصل بين المسلمين بالعدل، ولا يكتب الحكم بينهم إلا بأساس على القرآن والحديث ثم القواعد فالفروع، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يستحيي من أحد ما في الشرع من هينه ولينه. واشتهر عدله عند بلده حتى كانوا يقرون بظلم من أبى شرعه والحكم عنده، ولا يطلب الرشا ولا يقبلها، وربما أفشى سر من أراد إعطاءه شيئا ويقول له: تريد أن تعطيني أعطه لخصمك على رؤوس الأشهاد. وأحب الخصماء عنده من تفاصلوا بينهم قبل وصوله. وإليه انتهت رياسة الإفتاء والقضاء في قطره.
ومن بركة عدله وعلامته عدم إظهار الحسد من معاصريه من العلماء والقضاة وغيبته، بل أظهروا فضله وشهدوا بعدله. رأى والده عند طلق أمه به خديجة ابنة عبد الله المحفوظية - رحمها الله تعالى - في النوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يرشّ أي الوالد بالماء، فانتبه مسرورا. ورأى هو نفسه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل رأيت ما ادخر لك الله؟ فقال له: إلى الآن، فظهر والحمد لله مضمن الإهمال في الدنيا، ونرجو من سعة فضل الكريم الواسع أن يمن بمضمن الإعجام في الآخرة.
وكان صدوق اللهجة من صغرة بالتواتر لم يقبض عليه كذب فيه إلى أن توفي رحمه الله تعالى. روي أنه زار الفقيه العلامة القاضي سنبير بن القاضي سيدي الوافي مع بعض الأعيان، فقال له العلامة سنبير: من أنا؟ قال له: قال لي فلان أنت سنبير، فعجب الحاضرون من صدقه وإسناده للأخبار. وكان ينطق بما سيكون في المستقبل كرجوع الآبق وظهور بعض الأمور على وفق إخباره تحديثا. إنّ منكم محدّثين. وكان لا يلتفت إلى كبير إلاّ بالاستقامة، وكثيرا ما يقول: ميزان الشرع امتثالا واجتنابا بأيدينا، وهو الفصل بين الناس والمعيار. ولا ينكر على مدّع من أهل الادعاء ويلاطفهم ويقضي عنهم التسليم، ويعذر أهل الانتساب إلى الله ويكلهم إلى الله ولا يعارضهم، ويمازح قليلا تلامذته بطرح المسائل وباللحن الخفي، ويلاعب صبيان أقاربه صلة، وصله الله تعالى.