للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبدُ من ذلك ثمرةَ الخشية والتعظيم، للعزيز العظيم، فالحبُّ والخشية ثابتان في الكتاب العزيز والسنة المأثورة، قال تعالى: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: ٥٤] {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥] وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨] وفي الحديث: «أسألك حبَّك وحبَّ من أحبك وحبَّ عمل يُقَرِّبني إلى حبك» وفي الحديث: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتُم كثيرًا، ولخرجتم إلى الصُّعُداتِ تجأرون إلى الله».

ومعلومٌ أن الناس يتفاوتون في مقامات الحب والخشية، في مقام أعلى من مقام، ونصيبٍ أرفعَ مِن نصيب، فلتكن همةُ أحدِنا من مقامات الحب والخشية أعلاه، ولا يقنع إلا بِذرْوَتِهِ وذُراه، فالهمم القصيرةُ تقنع بأيسر نصيب، والهِمَمُ العَليَّةُ تعلو مع الأنفاس إلى قُرْب الحبيب، لا يَشْغَلنا عن ذلك ما هو دونه من الفضائل، والعاقلُ لا يقنع بأمر مفضول عن حال فاضل، ولتكن الهمةُ مُنقسمةً على نَيْل المراتب الظاهرة، وتحصيل المقامات الباطنة، فليس من الإنصاف الانصبَابُ إلى الظواهر والتشاغل عن المطالِب العُلْوِيَّة ذوات الأنوار البواهر.

وليكن لنا جميعًا بين الليل والنهار ساعة، نخلو فيها بربِّنا جل اسمه وتعالى قُدسه، نجمع بين يديه في تلك الساعة هُمومَنا، وَنَطَّرِحُ أشغالَ الدنيا عن قلوبنا، فنزهد فيما سوى الله ساعة من نهار، فبذلك يعرف الإنسانُ حالَه مَعَ رَبِّهِ، فَمَنْ كان له مع رَبِّهِ حالٌ، تَحَرَّكتْ في تلك الساعة عزائمُه، وابتهجت بالمحبة والتعظيم سرائرُه، وطارت إلى العلى زَفَراتُه وكوامِنُهُ، وتلك الساعة أُنموذجٌ لحالة العبد في قبره، حين خُلُوِّه عن ماله وحِبِّه، فمن لم يُخْلِ قلبَه لله ساعةً من نهار، لما احْتَوَشَه من الهموم الدنيويةِ وذوات الآصار، فليعلم أنه

<<  <   >  >>